جازف الرئيس الحالي عبدالله النسور كثيرا عندما قررت حكومته رفع أسعار المشتقات النفطية، والمشكلة أن نسب الرفع لم تكن متواضعة كما أوقات سابقة، وإنما كانت ملموسة وظاهرة.
وجه المجازفة أن الحكومة التي طُلب منها تصريف الأعمال حتى ينهي مجلس النواب مشاوراته لتشكيل حكومة برلمانية، لم تأخذ بعين اعتبارها ما حذّر منه نواب وكتل من رفع الأسعار، وكأن التحذيرات كانت مصروفة على حكومة أخرى في دول خارجية، ولا تعني الحكومة الحالية.
الحكومة أخطأت في التوقيت، وظهر ما قامت به من رفع لأسعار المحروقات، وكأنه استفزاز للشعب وللنواب وكتلهم، وهم الذين كانوا يفكرون بالنسور رئيسا للحكومة البرلمانية، وكانوا ذاهبين لتسميته.
لا أريد الخوض في تفاصيل ما يجري في البيت النيابي من ردود فعل، فقد بات ذلك معروفا، ولكني أتحدث عن جانب الحكومة التي باتت تعتقد أن كل ما تتخذه من قرارات، سيسير بالطريقة عينها عندما اقدمت على رفع المحروقات في المرة الأولى، وخرجت علينا بقصة التعويض، والشرائح المستفيدة منه.
قد يقول قائل إن الأمر سيمر كما مرت قضايا أخرى سابقا، وإن الشعب اعتاد على تلقي الصدمات، ولهذا قام بتركيب واقٍ يجعله يُضرب ويُضرب ولا يشعر بالضرب، وإنْ شعر به لا يتألم، وإنْ تألم لا يصرخ، وإنْ صرخ لا يُغضب أحدا، وإنْ أغضب أحدا، فالغضبة مؤقتة وتزول، وهذه مراهنة كبيرة قد تكون محفوفة بالمخاطر.
خلال الأيام الماضية المنصرفة، جعلتني الظروف أحتك بعشرات الناس من شرائح مختلفة وعلى مدار 4 أيام متواصلة، من خلال بيت عزاء عمي الذي انتقل لرحمة الله تعالى، وخلال فترة العزاء كان الجميع يسألون السؤال الرئيس؛ هل سيعود النسور رئيسا للحكومة؟ وإنْ عاد هل سيواصل سياسة رفع أسعار المحروقات والكهرباء؟!.
ما لمسته أن شرائح واسعة من المجتمع خائفة من عودة الرجل ليس كرها به، وليس لأمر شخصي معه، ولكن خوفا من استمرار سياسية الرفع التي أزعجت المواطنين رغم التعويضات الضئيلة التي صرفتها الحكومة.
إنْ قالت الحكومة إنّ زيادة المحروقات لا تؤثر على أمور أخرى، تكون بذلك كأنها تقول لنا ضعوا رؤوسكم في الرمال، ولا تنظروا حولكم، ولا تشاهدوا ما يجري.
الحكومة عليها الاعتراف بأن أي رفع ولو ضئيل على المحروقات سيؤثر يقينا على مواد أخرى، سواء كانت أساسية أو ثانوية، ويكفي تذكير الحكومة أن طبق البيض وصل في مرحلة إلى أربعة دنانير ونصف الدينار.
الحكومة، أي حكومة، عليها البحث عن وسائل أخرى غير جيب المواطن، وتعيد النظر بطرق أخرى لتوفر للموازنة أموالا غير رفع أسعار المحروقات، وأن تفتح باب المنافسة مع المصفاة على مصراعيه حتى يكون هناك عدل وعدم احتكار، وأن تدل الناس والمراقبين والمتابعين على الطريقة التي تحسب فيها قيم الرفع، خاصة أن بعض دول الجوار تقوم بتنزيل الأسعار في اليوم عينه الذي نرفعها فيه، فكيف يحصل ذلك؟ وإن قالت الحكومة إن المسافات والتخزين والنقل وكل ذلك تلعب دورا في ذلك، فعلينا ان نسأل عن دور الحكومة في توفير أدوات تخزين كافية تجنبها رفع الأسعار بين كل فترة وأخرى.
لو ادعت الحكومة أن قضية الرفع الأخيرة مرت بسلام، فربما تكون واهمة، فإن مرت الآن بسلام، فإن ذلك سيخلق احتقانات متزايدة ستؤدي لاحقا لغضب عارم قد لا يحسب مداه، وهذا ما لا نريده.
إن المراهنة دوما على صمت الشعب قد لا تكون في محلها. أعتقد ان دولة عبدالله النسور تسرّع في القرار، وما حصل كان بمثابة (غلطة الشاطر)
Jihad.mansi@alghad.jo
الغد