المطلوب هو إدارة الاختلاف وليس إنهاءه، بحيث لا يصبح أداة للانقسام المجتمعي وإثارة النزاعات المفضية الى تفتيت المجتمع وشرذمته وإضعاف قوته الجمعية، وإعاقة التقدم المشترك نحو الإصلاح الشامل والحيلولة دون المضي في دروب النهوض والتقدم والقوة.
الاختلاف سمة أصيلة في البشر، كما هي سنة من سنن الكون، وصفة لازمة لجميع الموجودات بلا استثناء، ولذلك ليس من الحكمة العمل على انهاء الاختلاف بين الناس على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية، لأن ذلك يعد ضرباً من ضروب العبث الذي تضيع معه الأوقات والجهود، وإنما تقتضي الحكمة التعامل مع الاختلافات الموجودة على طريقة حسن الإدارة التي تجعل منه عاملا من عوامل الإثراء المجتمعي، ووسيلة لإنضاج الرأي وتحسين طرق العمل وتوجيد الإنتاج وتطوير أدواته.
العقلاء دائماً يسلكون مسلك التقريب بين وجهات النظر وتقليل الفجوة بين الفرقاء، وبناء الجسور بين الأطراف الفاعلة، من أجل التعايش المشترك، الذي يعد ضرورة من ضرورات الحياة والذي لا يمكن الاستغناء عنه، وهذا يقتضي وجوب الحوار بشكل دائم ومستمر وبطريقة جدّية تحمل معاني المسؤولية واحترام الرأي الآخر والاعتراف بالتعددية بكل أنواعها وأشكالها.
نحن بحاجة إلى مأسسة الحوار الوطني، ليحمل سمة الاستمرارية والتواصل والجدية والتدرج والتراتبية المُفضية إلى تحقيق النتائج المطلوبة، وهذا يقتضي نوعاً من التخطيط والبرمجة المهدّفة التي تحفظ ما يتم التوصّل إليه وتوثّقه من أجل ضمان انتقال التجارب من جيل إلى جيل، ولا يتم ضياع الجهود سدى ومن ثم العودة إلى المربع الأول ونقطة الصفر في كل جولة حوار.
الحوار الوطني المطلوب ينبغي أن يكون على جميع المستويات، وفي كل المجالات، ومواصلة البناء المتراكم على ما تم سابقاً في الأجندة الوطنية، وفي "كلنا الأردن"، بحيث يتم تلخيص كل الأقوال والآراء ونسبتها إلى أصحابها، لتكون دائماً حاضرة في أذهان الحلقات الجديدة والقادمة، وأن تكون محلاً لإعادة الدراسة ومحلاً للتقديم العلمي بطريقة منهجية، من أجل الاستدراك وإتمام النواقص قبل الإضافة والتجديد.
ينبغي أن يستحضر المحاورون الهدف العام المشترك الذي يتمثل بإيجاد المرجعية الوطنية التي يستظل بها كل الأطراف وكل المكونات السياسية والاجتماعية، وتشكل بيئة ثقافية مشتركة تحظى بالتوافق والرضا المجتمعي، الذي يعد أمراً ضرورياً للعمل الوطني، والانطلاق نحو مرحلة جديدة، تسهم في التغلب على المعيقات والمشاكل التي تعطل النهوض الجمعي، وتعرقل تقدم المجتمع بشكل شمولي.
كل المجتمعات التي استطاعت تحقيق التقدم الحضاري الحقيقي، استطاعت أن تبني المرجعية الوطنية العليا، التي تحظى بالتوافق والإجماع الشعبي والرسمي، الذي يعالج الانقسام المجتمعي الحاد الذي نشهد مظاهرِه في دول الجوار وبعض دول الإقليم العربي، التي استطاعت أن تحقق خطوات حاسمة على طريق التغيير والإصلاح.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم