سنوات التعريب : قصة غليان وطن وشجاعة قيادة
01-03-2013 06:37 AM
نستعيد في هذه الذكرى صورة السفير البريطاني في عمان عام 1956 تشارلز ديوك وهو يدخل على جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ويطلب منه التراجع فورا عن قرار التعريب واعادة كلوب باشا الى قيادة الجيش فورا .. ولعل رجع الصدى يحمل لنا قوة صوت الحسين وهو يجيبه : هذا القرار هو قراري وهوسيادي ولا رجعة عنه.
ولكن لم تكن مسألة اعفاء الجنرال كلوب من الخدمة هي مجرد انهاء خدمات ضابط صدر قرار باحالته الى التقاعد ،ولكنه قرار سياسي في زمن صعب للغاية وفي ظروف كانت حاجتنا لبريطانيا ملحة وضرورية ،ومع كل ذلك انحاز الحسين طيب الله ثراه لرغبات الامة ومتطلبات السيادة والاستقلال وتجاوبا مع حراك داخلي قاده ضباط وسياسيون اردنيون كانوا يغردون في اعشاش شرقية واسيوطية ،فكانت حنكة الحسين بالتعامل مع مخططات جهنمية اعدت دستور الجمهورية الاردنية ،وصممت علم جمهورية الاردن الجديد ،ووضعوا الخطوط الاولى لدستور هذه الجمهورية ( حسب ما اورد ذلك الحسين في كتابه مهنتي كملك ) ، ومع كل ذلك تصرف الحسين رحمه الله وكأنه عضوا معهم وسبقهم في حراكهم حين عرب قيادة الجيش العربي الاردني وانهى خدمات الضباط الانجليز ، ومن ثم انهى المعاهدة الاردنية البريطانية ،واقر العمل بانتخابات على اساس التعددية الحزبية وانتقل الى برلمان يملك السلطة الكاملة في تشكيل الحكومة وممارسة وتوجيه السياسة الاردنية ، ونجح جلالته في كل ذلك ولكن سقط الجميع امام اول اختبار حين ارادوا الاردن بوجه غريب بلا روح القومية او مبادئ الاسلام ولا بفكر ومبادئ نهضة العرب الاولى ، فكانت تلك السلسلة من الاحداث الصعبة والايام الحالكة عام 1956 و57 في مواجهة قوى داخلية تستند على الدعم الخارجي والمجاور اللامحدود ،
تعريب قيادة الجيش العربي ليست مجرد مسألة التخلص من القيادة الاجنبية كما يريدها البعض فقط ولكنها كانت خطوة سيادية وطنية اردنية هاشمية بامتياز ، وحاجة اقتضتها المصلحة الوطنية ، وصورة واضحة رسمت قوة القرار الاردني الذي يبرز ويفرض نفسه حين يتمادى البعض ويستغلون تفويض السلطة لغير مصالح الوطن العليا ، وصف الجنرال كلوب خطوة تعريب قيادة الجيش العربي الاردني وانهاء خدماته بانها خطوة جريئة من اشجع رجل في الشرق الاوسط ، وحين غادر ارض الاردن ونقلته طائرة خاصة مع زوجته روزميري الى مطار قبرص قابله جمع حاشد من الصحفيين في المطار ينتظرون رجلا باكيا ساخطا ناقما لكنهم فوجئوا بوجه كلوب البشوش واجاب على كل الاسئلة وهو لا يتوانى عن تقدير الاردن والاردنيين والاحترام الكبير للملك الحسين ،معتبرا انه قد احيل الى التقاعد بعد خدمة 26 سنة في الجيش العربي الاردني ، وقد حان وقت احالته الى التقاعد ، وبقي يحمل كل الحب والتقدير للاردن حتى وفاته عام 1988 ، ونستذكر هنا انه حين كانت معركة الكرامة فقد كتب في الصحف الانجليزية مطالبا بريطانيا بان تهب لنجدة الاردن ومساعدته في هذه المعركة تقديرا لوقوف الاردن الى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الثانية.
كلوب باشا طوال خدمته في الجيش العربي الاردني لم ينسى انه بريطاني في خدمة التاج البريطاني كما يقول هو ، ولكنه كان قائدا بامتياز وضع اسسا عريقة للعسكرية الاردنية ،وارسى تقاليد عسكرية ثابتة مع التدريب الصارم والتصميم على اداء الواجب ،
فاذا كنا نستذكر خطوة المغفور له الحسين طيب الله ثراه كخطوة شجاعة وسيادية ، فاننا نستذكر كلوب باشا بكل الخير - هذا اذا كنا موضوعيين في التعامل مع التاريخ والاحداث -، ونتطلع بعد كل هذه السنين الى قواتنا المسلحة الاردنية وقد بلغت شأوا عظيما في الرفعة والتقدم بفضل السياسة الهاشمية القديرة وبفضل الاهتمام الخاص من جلالة القائد الاعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله رعاه ، ونتطلع الى هذه القوات التي تجوب العالم مشاركة في قوات حفظ السلام وهي تنشر الامل والسلام مثلما هي تبرع في تقديم خدمات الانسانية لموجات المهجرين من ارضهم من اخوتنا السوريين ، نتطلع اليها كقوات ردع وامن وحارسة لكل المكتسبات . .
كل عام وقواتنا الاردنية الباسلة بالف خير
وكل عام وقائدها الاعلى الملك عبدالله الثاني بالف خير .