تجتاح العالم العربي حالياً وفي المجمل، حالة احتجاج ورفض لواقعٍ سميت بالربيع العربي، وهي حالة لا شك فاجأت "القوى القيادية" في العالم ابتداءً وعلى رأسها الولايات المتحدة التي بدت ومعها عواصم الغرب والشرق الكبرى كافة مرتبكة في بداية الأمر، إلى أن رتبت أمورها لجهة توظيف ذلك الربيع وتطويعه في خدمة مصالحها قبل أن يكون في خدمة مصالح الشعوب العربية، فجاءت عسكرة الربيع العربي بمثابة "الفرج المرحلي" لها عندما تحولت الاحتجاجات الشعبية السلمية إلى مواجهات عسكرية داخلية تماماً كما جرى في ليبيا سابقاً وفي سورية حالياً!.
مشكلة العرب عموماً أنهم بلا "هوية سياسية" خاصة بهم، كسواهم من معظم دول وشعوب الأرض، فهم ليبراليون ويساريون ويمينيون وقوميون وإسلاميون وهم كل شيء من هذا وذاك، بحيث توزعت "هويتهم القومية والإسلامية" العربية التقليدية بين هذا الخليط العجيب الوافد من كل حدب وصوب، وهنا استحكم الخلاف والتناحر والتنافر في غياب الهوية التاريخية التقليدية.
في الغرب مثلاً حددوا طريقهم منذ زمن طويل واختاروا المنهج الديمقراطي رافعة للفكرة الليبرالية، ورضي بها الجميع، خاصة وأنها تفصل بين الدين والسياسة، وهم بها سعداء نسبياً، برغم مساوئها العديدة عندما يتم فحصها من وجهة نظر عقدية إنسانية.
أما نحن العرب فقد تهنا بين الخيارين، فلا نحن حافظنا على موروثنا العربي العقدي الإسلامي كهوية سياسية خاصة بنا، ولا نحن أجدنا تقليد المنهج الديمقراطي الليبرالي الغربي، لا بل فهمنا الديمقراطية على أنها وسيلة لأن نصل جميعاً إلى مواقع الحكم والقرار مباشرة، وهنا وكنتيجة طبيعية حتمية، وقع الصراع والصدام الخفي تارة والعلني تارة أخرى، فالديمقراطية في مفهومنا هي أن أفرض رأيي وإلا!، والسبب هو أننا لسنا ديمقراطيين أصلاً لا في سلوكنا ولا في نمط تفكيرنا، وإنما نحن مقلدون وبأسلوب غلط!.
من يطوف في هذا العالم يعرف هوية الشعوب بلباسها وسلوكها وطبيعة حياتها، وهي أمور تحدد هويتها السياسية، إلا العرب، فهم في "مزاد هويات" وأنماط حياة ومن كل لون، وهذا هو مبرر الضياع الذي يعيشون!.
لو حافظ العرب على هويتهم العربية التاريخية بردائها الإسلامي، ولو فهم العرب الإسلام العظيم على حقيقته وكما هو، لكانت لهم اليوم هويتهم الذاتية المستقلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وعلى نحو يحقق لهم الحرية والكرامة والعدل والاستقلال والتطور المتسارع، ولقدموا للبشرية بأسرها القدوة الحسنة والإنموذج الأفضل لحياة طيبة يتوق إليها كل إنسان على هذا الكوكب بعامة، ولكنهم اختاروا "الضياع" في عالم لا مكان فيه للتائهين المقلدين بعمى الفاقدين للبصيرة وربما حتى البصر!.
باختصار، نحن عرب، ولكن بلا هوية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والله من وراء القصد.