امرأة شرقية بفكر غربي .. *سناء ابو شرار
25-02-2013 07:58 PM
في زمننا المعاصر لابد للرجل أن يعيد تقييم علاقته بالمرأة ، لأنه إن لم يعيد تقييم هذه العلاقة فإن خلل عميق سوف يطرأ على علاقته بالمرأة ولن أقول إنهيار كي لا أبدو مبالغة بما أقول.
على الرجل أن يعيد تقييم علاقته بالمرأة لحماية كينونته في المجتمع المعاصر ، فالمرأة لم تعد تطالبه بأن يكون الحامي والراعي للعائلة فقط ، بل لابد أن يكون العاشق والصديق والمتفهم والمتحدث والمستشعر لأدق عواطف المراة ، لابد أن يتتبع نظراتها وكلماتها ، فهي لم تعد موجودة لتكون عون له بل أصبحت موجودة ليكون هو ملاك السعادة التي لا تنضب بالنسبة لها . ولا أتحدث هنا عن نساء عرفن دورهن الحقيقي بجانب الرجل ويحترمن هذا الدور ويدركن بأنهن عوان للرجل وأنه الحامي لها ولاسرتها بل للمجتمع بأكمله؛ كما لا أتحدث عن الفئات المنتمية للطبقة المتواضعة من المجتمع حيث المرأة تعرف دورها تماماً وفق ما تُمليه عليها منظومة دينية واجتماعية متوارثة . بل أتحدث عن فئة تأثرت بالفكر الغربي وبثقافته حتى ولو كانت متدينة ومحجبة ، فئة تشربت كل مفاهيم المرأة الغربية حول الرجل ، فالمرأة الغربية لا تطلب من الرجل أن يكون الحامي وهو لم يعد يريد ولا يستطيع أن يقدم هذا الدور لأن مجرد ممارسته لدور الحامي يعتبر إنتهاكاً لحرية المرأة واستقلاليتها ، الرجل بالنسبة للمرأة الغربية أصبح انسان تعيش معه دون أن يتمتع بالضرورة بإمتيازات الرجولة ، لابد أن يتحدث معها كما تتحدث معها صديقتها ، أن يستمع لأدق تفاصيل مشاعرها ، أن يكون رقيقاً حساساً لمتطلباتها ، أن يرى الوجود عبر نظرتها هي ، وإن تجرأ على أن يتمسك برأيه فلابد أن يتحمل نتيجة هذا التشبث بالرأي وربما إتهامه بأنه انسان متخلف ولا يحترم حقوق المرأة. إن الرجل الغربي يعيش حياته بحذر كرجل ، ينتبه لما سيقول وكيف سيتصرف ، لذا يقل عدد المقبلين على الزواج من الرجال الغربيين من عام لآخر ، ويفضلون الزواج من جنسيات شرقية أو من أصل أوروبي شرقي كي يستطيعوا أن يشعروا بما تبقى لهم من الرجوله .
لا أنتقد المجتمع الغربي في مقالي هذا ، فهو موضوع تم الحديث عنه كثيراً ، ولكنني أتحدث عن تقمص الفكر الغربي من قبل المرأة العربية بوعي منها أو بعدم وعي ، إن تقليد النساء الغربيات فيما يرتدينه يبدو أمر بسيط مقارنه مع أمر الإستلاب الفكري الإرادي.
منذ عهود الإسلام الأولى ، كان للمرأة كيانها المستقل وتفكيرها الحر بعيداً عن التمحور حول الرجل ، كانت المرأة تنظر لذاتها كمُكلفة بواجبات دينية تماماً مثل الرجل ولم يكن لديها الوقت كي تراقبه وتحاسبه وتطالبه بالتصريح بمشاعره في أي وقت وبكل وقت . لقد كانت تشعر بحريتها بعبوديتها لله تعالى ، وبأن دور الرجل بالنسبة لها هو الحامي لها ولأسرتها ولم تكن تتجاوز حدود معينة في علاقتها به ، فأغلب ما قرأته عن النساء في تلك الفترة ينم عن عقلية متفتحة ذكية عميقة التفكير ، مستقلة عن شخصية الرجل وواعية لدورها كزوجة وكأم ، بل إن بعض مقولاتهن تنم عن أحترام عميق لدور الرجل .
التمحور حول الرجل ومطالبته بأن يكون سبب السعادة كل السعادة ، واتهامه بأنه سبب الشقاء كل الشقاء هو فكر غربي مترسخ في المجتمعات الغربية ، لأن الرجل في الغرب رغب بأن يكون مركز إهتمام المرأة ، وأقنعها بأنها سوف تستحوذ على كل إهتمامه بقدار ما تقدمه له من تنازلات ، وحين تنازلت فقد كل إهتمامه بها ، بل وفقد شعوره بالرغبة بحمايتها . ولكن الأمور تصبح أشد تعقيداً في مجتمعنا العربي لأن أساس علاقة المرأة العربية بالرجل هو هذه الحماية ، فإن لم تعد لها قيمة بنظرها سوف تختل هذه العلاقة بمجملها. فهل تدرك المرأة العربية خطورة تجاهلها لأساس علاقتها بالرجل ؟ وتصر إلى أن تطالبه بما يتنافى مع طبيعته كرجل ليصبح نسخة عن صديقه لها ، أو نسخة عن ممثل ما في مسلسل غرامي تركي !
هناك أدوار اسس لها الله تعالى في كتابه وسنة رسوله ، أدوار دقيقة لكل من الرجل والمرأة ، وقيد المرأة بقيود لحمايتها وليس لإذلالها ، وأجبر الرجل على أداء واجباته ليكون رجل حقيقي له قيمته أمام زوجته وأمام المجتمع . إن أختلال هذه الأدوار ، واستيراد الأفكار كما نستورد البضائع والإستخفاف بقيم تأسست عليها الأسرة العربية منذ قرون لهو خطر حقيقي على بنية الأسرة والمجتمع ، وهو خطر ليس نظري بل حقيقي وله نتائج نراها وقد نتجاهلها .
هل تشعر المرأة بالرضى حين يشك الرجل برجولته لأنها غير راضية عن ردود أفعاله معها ؟ لأنها تريد المزيد من المشاعر ، المزيد من الإهتمام ؟ وهي لا تدرك بأن أعلى صور محبة الرجل لها هو أن يقدم لها حياة كريمة وأن يمارس دوره الحقيقي كرجل في المجتمع دون إجباره على أن يكون صورة لرجل ما هناك على الطرف الآخر من المحيط. المشكلة الأصعب هي أن تتربى أجيال قادمة دون أن تشعر بهيبة الرجل وأنه كيان منفصل عن المرأة وانهما مكملان لبعضهما البعض ، أن تتربى الأجيال القادمة ورجل المستقبل يعتقد أنه يوجد بهذه الحياة لتلبية مشاعر المرأة واحتياجاتها وأنه خارج إطار هذه الطاعة لن يكون سوى شبه رجل ، لا أقول للرجل بهذه المقال أن يتحول لانسان متسلط وعنيف ولكنني أقول له بأن يدافع عن دوره الحامي وأنه حين يرغب بالزواج أن يختار من النساء من تعي دوره الديني والفكري والاجتماعي كرجل قبل أن تعي أحتياجاته اليومية كرجل . لأن فكر المرأة تجاهه سوف يشكل كل حياته المستقبلية معها بل ونظرة أولاده له . لم يعد يكفي للرجل أن يُحسن الاختيار بل لابد له من الحذر قبل الاختيار ، لأن امرأة شرقية بفكر غربي قد تكون معول هدم لطموحه ولشخصيته ولرجولته.