دعونا نعترف أن تغيرات كثيرة حدثت وما زالت تحدث في مجتمعنا , وأن هذه التغيرات سارت وتسير بوتيرة متسارعه , خلال الأعوام القليلة الماضية , نشاهدها ونسمع عن أثارها وظواهرها كل ساعة وكل يوم ,فهل حملنا قطار العولمة معه أم داسنا ومضى في طريقه غير أبه بنا أو أسف علينا ؟؟؟ وهل سيطر علينا النمط الاستهلاكي الغربي وسلبياته الذي يبدو انه يريد أن يعيد البشرية إلى شريعة الغاب حيث البقاء للأقوى , وبدأ يؤثر على خصوصية مجتمعنا ذي الخلفية الدينية الإسلامية و الأصول البدوية و ألفلاحيه الشرقية ؟؟؟.مجتمعنا هذا الذي بدأت تظهر فيه ظواهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والإداري والاقتصادي بكافة أشكاله وألوانه وصوره , مثل ظاهرة أطفال الحاويات , سواء من اللقطاء الذين يرمون فيها , أو ساكنيها من الأطفال, أو المعتاشين عليها من الناس , وظاهرة فتيات الشوارع والشقق المفروشة, وظاهرة بيع الأصوات الانتخابية أو شرائها , , وبروز ظاهرة السماسرة لكل شيء ابتداء من سمسرة الأراضي إلى سمسرة الأصوات بشكل كبير وملفت , واستفحال الجريمة بكافه أنواعها سواء الفردي منها والمنظم,كالنصب والاحتيال والاختلاس والسرقة والقتل ,وظواهر الرشوة والوصولية والشللية , والواسطة والمحسوبية , , ناهيك عن ظواهر الجشع والطمع عند الكثيرين من التجار ,وحالات الغش بمواصفات السلع والاتجار بالمواد الغذائية الفاسدة التي أدت إلى حالات التسمم التي حصلت عندنا , ورأينا كيف عملت الحكومة السابقة بتوجيهات ملكية سامية على استحداث أسواق موازية وفتحت أسواق المؤسستين المدنية والعسكرية لكافة المواطنين , للحد من رفع أسعار الكثير من السلع دون وجه حق و اصطناع للغلاء الغير مبرر , و محاولات الكثيرين الإثراء بسرعة , بطرق غير مشروعه بالغش والخداع. هذا الفساد الذي يدعوا , جلاله الملك المفدى حفظة الله ,بأن لا يترك أي مناسبة , دون أن يدعوا إلى محاربته والقضاء علية, والذي حدا برئيس وزراء سابق أن يعلن انه يجد صعوبات كبيره في مواجهته .
ما هي الأسباب إذن ؟؟؟هل هي الظروف السياسية المحيطة بنا والتي نعيشها,وما يرافقها من إحباط ويأس وقلق وأثارها وانعكاساتها الاجتماعية والأخلاقية على بلدنا ؟؟؟ , والتي تسببت بقدوم هجرات بشريه من مناطق الصراع المختلفة في فترات متقاربة , التي كان أخرها قدوم أعداد كبيرة من المهاجرين من الكويت والخليج العربي , بعد حرب عاصفة الصحراء , وهجرة أعداد كبيرة من الإخوة العراقيين بعد احتلال أمريكيا للعراق , هذه الهجرات بالإضافة إلى العمالة الوافدة( خصوصا الخادمات اللواتي دخلن إلى بيوتنا بأعداد كبيرة من شتى بقاع العالم) والتي جلبت وتسببت بأخلاقيات وسلوكيات غريبة عن مجتمعنا , نتيجة العوز والفقر , آو ربما الاختلاف في الثقافات والعادات .
أم هل هي الظروف الداخلية ,الناتجة عن عدم التجانس بين بعض شرائح المجتمع , الذي ما زال في طور التكوين ( من شتى المنابت والأصول ) وضعف الولاء و لانتماء عند البعض الذي لم يترسخ بعد بسبب الازدواجية , أم هي الظروف الاقتصادية الصعبة , التي يعيشها المواطن في بلدنا القليل الموارد , وعدم تكافؤ الفرص بين الجميع , الناتج عن الكثير من السياسات الغبية المتراكمة للحكومات المتعاقبة , التي ساعدت على انتشار ثقافة الاستهلاك وعدم وضع سياسات إصلاحية حقيقية لتنمية الناتج الوطني المحلى من الموارد الطبيعية , كالزراعة مثلا ,أم هو ناتج عن غياب الديمقراطية والحياة السياسية الحزبية , فترة من الزمن .
أم هل هو بالفعل غول العولمة وثقافته, وسيطرت إعلامه المرئي والمسموع والمقروء؟؟؟, العولمة التي حولت الثقافة كسلعة للاستهلاك مما أدى تراجع الثقافة الوطنية والقومية لحساب الثقافة الاستهلاكية على الصعيد الاجتماعي , العولمة التي لا تهتم بتدني أخلاق المجتمع وانتشار الفساد بأنواعه المختلفة مثل الرشوة والتهريب والجريمة وظهور المافيات والفساد المالي والاختلاسات فيه ,العولمة التي حولت المرأة إلى سلعةٍ استهلاكية ووسيلة للدعاية , واختفاء كلمة ( الزوج ) ليحل محلها الزميل آو الشريك !!!في سبيل إلغاء مفهوم العلاقة الزوجية ,وضرب العائلة التقليدية في الصميم وذلك بإشاعة الفردية والأنانية وضعف العلاقات الأسرية الحميمة, دون مراعاة , لخصوصية الثقافات العالمية الأخرى ومنها الثقافة العربية الإسلامية التي تعتبر( الزنا) عار ويمس بالشرف وجريمة يعاقب عليها الشرع والقانون ,وطبعا هذا يختلف عن مفهوم الخيانة الزوجية في الثقافة الغربية ,العولمة وما صاحبها من خصخصة تتجلى انعكاسات مخاطرها الاقتصادية الناجمة عن تراكم الثروات في يد القلة القليلة من الأغنياء إلى اتساع الفجوة مع الأغلبية الساحقة من الفقراء , وإلى زيادة البطالة,وبالتالي إلى تفكك الكثير من الروابط الوطنية والقومية والاجتماعية, و فقدان الثقة بالدولة بسبب تراجع دورها الإنتاجي و ألخدماتي والاجتماعي (ليس عندنا فقط بل الكثير من الدول ), وجعل دورها قاصرا على حماية المصالح الرأسمالية الخارجية والداخلية المشتركة والمتشابكة.
ولكن للخلاص من هذا , يجب علينا قبل أن نرفض كل منجزات الفكر والعلم والتكنولوجيا , والتي يجب أن ندرسها ونقرأها جيدا , ونتفاعل معها, فلا نرفضها بداعي الخوف والعداء لكل ما هو أجنبي، ولا نذوب فيها بتأثير عقدة النقص تجاه الآخرين ,بل نأخذ منها ما هو مفيد لنا ونترك ما هو ضار لنا ,ويؤثر على هويتنا الدينية وسماتها الإيمانية و هويتنا العربية الحضارية والثقافية وقيمنا الأدبية والاجتماعية والأخلاقية , التي يجب أن تتماها معها سياساتنا الثقافية والأدبية والعلمية والتعليمية التربوية التي يجب أن تتلاءم مناهجها وأساليب تدريسها أيضا مع ذلك كله, بتعزيز القيم الروحية الدينية والأخلاقية الاجتماعية ,و قيم والولاء والانتماء وحب الوطن و التضحية والفداء في سبيله عند المواطنين , بدل أن تسود فيهم قيم الاستهلاك وحب الحياة والذات و الأنانية الشخصية ,وحتى يتم تحصين المجتمع من الانحدار إلى منزلقات أخلاقيه خطيرة نرفضها و لا نرغب بها , فلابد من استحداث التشريعات وسن القوانين والنظم الرادعة الكفيلة بتصويب المسيرة , ووضع الخطط والحلول الإصلاحية الحقيقية الجادة الضرورية التي تكفل ذلك .