الجهاد في سوريا .. أفغانستان من جديد
اسعد العزوني
24-02-2013 03:26 PM
ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أسوا تداعيات اليوم والبارحة معا، فبالأمس تحالف الإسلام السياسي بكل ما يمتلك من مقومات مالية وعقدية، مع الإمبريالية الأمريكية بكل ما تمتلك من خبث ودهاء، وكوّنوا حلفا يقاتل السوفييت في جبال تورا –بورا المشهورة بزراعة الأفيون والحشيش في أفغانستان.
لم تستطع أمريكا بكل ما لديها من طاقات مادية ومالية وعسكرية، من إلحاق الهزيمة بالسوفييت في أفغانستان، ولم تتمكن من تسجيل نقاط نوعية عليهم هناك، لكن وبعد دخول الإسلام السياسي على الخط، وتعهده بتجميع الشباب المسلم للموت في أفغانستان دفاعا عن المصالح الأمريكية، رأينا تحولا نوعيا في المواجهة العسكرية في تلك البلاد الجبلية التي يبدع فيها العنصر البشري المتعطش للقتال.
قبل الغوص في التفاصيل، لا بد من تسجيل اللوم والعتب وبأثر رجعي، للإسلام السياسي الذي وضع أولوياته من أجل تحرير تورا –بورا من السوفييت الذين جاءوا إلى أفغانستان بطلب من الرئيس الأفغاني آنذاك بابراك كارمل، بينما نسوا أو تناسوا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المحتل من قبل الصهاينة، ولعل هذه القضية هي القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بالإسلام السياسي وتوجهاته وأنه وضع نفسه منذ البداية بندقية للإيجار تعمل لصالح أمريكا.
إذا وضعنا الجندي الأمريكي- المدجج بالسلاح والدورات التدريبية العسكرية، ورغبة السواد الأعظم منهم في إظهار ولائهم وانتمائهم لأمريكا كي يحصلوا على جنسيتها- في الميزان مع الشاب المسلم الذي يفتقر للتدريب والتسليح، لكنه متخم بالإيمان والرغبة في الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله، لوجدنا كفة الشاب المسلم ترجح بشدة أمام الجندي الأمريكي، كون الأول جاء إلى القتال بدافع عقدي، أما الثاني فقد دفع به إلى القتال دفعا ناهيك عن طمعه بنيل الجنسية الأمريكية.
هذه القضية لمستها في لبنان إبان التصدي للعدوان الوحشي الذي شنه الإرهابي أرائيل شارون على لبنان صيف العام 1982، ونجاح شارون بالتآمر مع الرسمية العربية الرجعية والتقدمية آنذاك في حصار بيروت ومن ثم إحتلالها، إذ ظهر التذمر والشكوى بصورة جلية عند الجنود الإسرائيليين، وقالوا إنهم ليسوا على استعداد للموت من أجل أن يقيم المسيحيون اللبنانيون دولة خاصة بهم، في حين رأينا الشباب الفلسطيني يتطوع ويأتي إلى لبنان من كافة أصقاع الأرض دفاعا عن ثورته.
ولأننا ننسى، سأذكر بظاهرة بدأنا نعاني منها وعلى الأصح بدأت الأنظمة الرسمية تعاني منها، وهي الواقع الجديد الذي خلقه ما أصبح يطلق عليهم لاحقا "الأفغان العرب"، الذين شكلوا ظاهرة فريدة من نوعها جديدة على الأنظمة العربية، الأمر الذي جعل هذه الأنظمة وأجهزتها الأمنية تتفرغ لهم وتتابعهم ومن ثم تعتقلهم.
"الجهاد" في سوريا اليوم، يشبه "الجهاد" في جبال تورا –بورا الأفغانية، من حيث المسلكيات والتداعيات، وأنا هنا لا أدافع عن أحد لكنني أذكر بواقع ألحق بنا الضرر وأقوم بتحليل سياسي آمل أن أصيب فيه لأنال الأجرين كاملين.
أما بالنسبة للمسلكيات فإن قادة الإسلام السياسي ، باتوا يجولون الحواري والأزقة العربية الفقيرة لإغراء الشباب العاطل عن العمل والذي يموت قهرا لعدم تمكنه من الجهاد في سبيل الله في فلسطين، وتلقيمه بحفنة من الدولارات الأمريكية وتزيين "الجهاد" له، ولكن ليس في فلسطين بل في سوريا.
ونأتي إلى التداعيات ، فإن من سيعود من سوريا حيا، سوف لن يقبل الجلوس مكتوف اليدين، مثل طالب الروضة الخائف، بل سيتحرك في كل الاتجاهات، ولم لا وقد ذاق طعم الحرية وإكتسب خبرة السلاح وسمع أزيز رصاصه بغض النظر عن صحة المسار الذي إتخذه هذا الرصاص، وقالت جبهة الحق التي تقاتل في سوريا أن عناصرها سوف يواصلون دورهم في الأردن ولبنان ومصر وبقية الدول العربية والغريب في الأمر أن هذه الجبهة تذكرت إسرائيل، ونوهت أن رجال الجبهة سيمارسون جهادهم فيها.
لا بد من التنويه أن الإسلام السياسي لم يكن ليتمكن من ممارسة هذا الدور، وتجنيد الشباب العربي لولا الدعم والتأييد والموافقة من قبل الأنظمة الرسمية التي اكتوت بنار فعلتها على يد من أطلق عليهم "الأفغان العرب"، وها هو نفس الدور يتكرر بالنسبة لسوريا دون التدقيق في التداعيات، ذلك أن المراد هو إرضاء أمريكا.
ربما يسأل البعض: لماذا تقوم أمريكا بتجنيد الإسلام السياسي للقتل والقتال في سوريا؟ والجواب هو أنها لا تريد المغامرة بجنودها هناك، ولا تريد كذلك أوروبا أن تغوص في سوريا، بسبب تحالفات النظام المتشعبة دوليا، عكس ما كان عليه الحال في ليبيا التي تدخل فيها الناتو وأسقط نظام حكم القذافي.
السؤال الاستراتيجي الآخر: ألا يعلم الإسلام السياسي أن هدم الكعبة أهون عند الله من إراقة نقطة واحدة من مسلم؟ وكذلك ألم يسمع قادة الإسلام السياسي باحتلال فلسطين والقدس وقرب هدم المسجد الأقصى؟ ولماذا لم تتحرك بوصلتهم باتجاه القدس وفلسطين والجولان بدلا من جبال تورا –بورا في أفغانستان وسوريا؟
أسئلة برسم الإجابة لكن دون اللجوء إلى التكفير والشتائم.