يشعر النواب بأنّهم في "ورطة سياسية" كبيرة في موضوع الحكومة؛ فبعد أن توارت فكرة "تفويض" رئيس الديوان الملكي خلال الأيام الماضية، عندما "اكتشف!" النواب أنّ المطلوب – فعلاً- تسمية رئيس وزراء، لا "مشاورات شكلية"، أو فقط استمزاج آراء؛ برزت على السطح بقوة فكرة تشكيل حكومة برلمانية "كاملة الدسم"، أي تنبثق من رحم مجلس النواب، رئيساً ووزراء.
يدفع باتجاه هذه الفكرة اليوم مجموعة كبيرة من كتلة وطن (التي تمثّل الأغلبية في المجلس)، ومعهم كتلة الوعد الحرّ (الجبهة الأردنية الموحّدة)، وكتلة الوسط الإسلامي، وكانت المحاولات حتى مساء أمس لتشكيل ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب، بالحوار مع كتلة التجمع الديمقراطي مما يسمح بولادة الحكومة البرلمانية، بالتوافق على الرئيس، وهو ائتلاف من المفترض أن يضم أكثر من 80 نائباً. إلا أن اجتماع أمس لم ينتهِ إلى نتائج حاسمة بقدر ما برزت فكرة تفويض الملك بتشكيل "حكومة انتقالية" إلى حين تغيير النظام الداخلي واستقرار الكتل.
من ينظّرون للحكومة البرلمانية، يحتجون بأنّ هذا هو الأصل فيها، أي أن تنبثق من رحم المجلس وتمثّله، ولا يوجد سيناريو آخر لها، فإذا كانت الأغلبية ستدعم حكومة، فلماذا تحمل كلفة حكومة لا ترجع إليها ولا تمثّلها بصورة صحيحة، أمام الرأي العام؟ ولم لا تقوم هي (أي الأغلبية) باختيار الحكومة المطلوبة، التي ستعود إليها بالقرارات والتشريعات المهمة، ويكون ائتلاف الأغلبية هو المرجعية الحقيقية لهذه الحكومة؟
في المقابل يبدي نواب آخرون، حتى داخل التجمع الديمقراطي، قلقاً من هذه الفكرة السابقة لأوانها، وهو هاجس مبرّر لسببين رئيسين:
الأول؛ أنّ الكتل النيابية لم تنضج بعد، ولم تتشكّل على قاعدة متينة من البرامج السياسية والأطر الحزبية، وتغلب عليها النزعات والمصالح الشخصية، ما يعني أنّ فكرة الحكومة والتوزير قد تكون قاتلة لهذه الكتل، وتؤدي إلى انفراط عقدها، تحت وطأة "الزحام على المواقع الوزارية". الثاني؛ أنّ ذلك يحجّم الخيارات ويحدّدها ضمن "علبة المجلس"، ويدفع إلى توليها على أساس الترضية داخل الكتل نفسها، لا على أساس الكفاءة والقدرة.
يردّ نواب متحمسون للفكرة على تلك الهواجس، بأنّ المسألة ليست بهذا التعقيد، فالمطلوب قرابة 20 وزيرا من 80 نائبا، أي الربع، وهي مسألة تدخل فيها الاعتبارات السياسية المعروفة في تشكيل الحكومات، ما يجعل من الاختيار أكثر سهولة وتوافقاً داخل الائتلاف المطلوب، ويضيفون أنّ الآلية ستكون أفضل من الآلية التقليدية، فنحن أمام نواب منتخبون وسيحاسبون على قراراتهم، أفضل من الاختيار وفق اعتبارات رئيس وزراء معيّن، تحكمه قاعدة معرفته بالأشخاص فقط. بالطبع، ثمة مساحة واسعة من الحجج المتبادلة والسجالات حول فكرة الحكومة البرلمانية، إلاّ أنّها بالفعل تمثّل "مغامرة" سياسية، ليس فقط للنواب أنفسهم، بل حتى لمطبخ القرار، إذ أنّ فشلها سينعكس بعمق على شرعية العملية السياسية في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية حرجة، بخاصة أنّ التوجه لدى الدوائر الرسمية يتمثل بعدم خلط النيابة بالوزارة، على الأقل في المرحلة الراهنة.
وفي حال لم ينتج توافق على تسمية رئيس جديد، سيعزّز ذلك من فرص د. عبد الله النسور ليكون الرئيس القادم، وفق أحد سيناريوهين؛ الأول أن يطلب منه تشكيل حكومة جديدة، وفق شروط معينة، والثاني منح حكومته الثقة بشروط إلى حين عقد الدورة العادية الأولى (أي عدة أشهر). بالضرورة، نجاح الكتل النيابية في الخروج بنتيجة مقنعة للشارع، سيدخل بالمشهد السياسي نحو مرحلة جديدة، وسيزيل عن كاهل الدولة ضغطاً كبيراً تتحمله الحكومة الحالية. لكن ضمن المعطيات الحالية وفي ظل مخرجات الصوت الواحد، أي غلبة الفردية، وغياب البرامج السياسية الواضحة ومحدودية الوقت، ومقاطعة المعارضة السياسية الفاعلة، فإنّ فرص النجاح ستكون صغيرة نسبياً، ومخاطر الفشل كبيرة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد