كالعادة، تذهب الحكومة لتبرير كل ما تقدم عليه من رفع للأسعار، بالقول إن الزيادة تلك لن تطاول الا فئة قليلة جدا لا تتعدى 5-10 % من ابناء الوطن.
وبطريقة طبقية فيها تحشيد ناعم على فئة الميسورين تواصل الحكومة عند كل رفع تبريرها لتقول إنها قامت بذلك في إطار وعيها للعدالة الاجتماعية التي يجب أن تسود في المجتمع.
عندما رفعت الحكومة أسعار المحروقات، وعوضت الأسرة التي يقل دخلها عن 800 دينار، قدمت الحكومة القسط الأول من بدل الرفع، وبعدها شعر المواطن بأثره السلبي على مواد أخرى طالها ارتفاع المحروقات.
اليوم يتكرر المشهد، ويتكرر التبرير، إذ أقدمت وزارة الصحة مستندة لقرار من مجلس الوزراء بتحديد خدمة نقل المرضى (غير المؤمنين) وغير الأردنيين بوساطة سيارات الإسعاف، وبلغت للمريض الأردني القادر وغير المؤمن صحياً ولأقل من 25 كيلو متراً 10 دنانير.
كما حدد مجلس الوزراء أجرة سيارة الإسعاف لغير المؤمنين صحياً لمسافة بين 25 الى 50 كيلو متراً بواقع 25 دينارا وللمسافة بين 51 الى 100 كيلو متر بما قيمته 50 دينارا ولأكثر من 100 كيلو متر بواقع 75 ديناراً.
القصة لا تكمن في الزيادة التي تبرر دوما بأنها بسيطة، ولن تصيب إلا الطبقة الميسورة، وكأن تلك الطبقة مشاع، وهذا غير حقيقي ولا واقعي، وإنما مشكلتنا تكمن في مواصلة تهرب الحكومة من مسؤولياتها، فالحكومة التي يتوجب عليها أن تؤمن التعليم والصحة والعمل لكل أبنائها دون النظر ان كان هذا قادرا او غير قادر، أصبحت غير قادرة على تأمين أي منهما، وأخذت بترك دورها تدريجيا، تحت يافطة أن موازنة الدولة لا تسمح، وأن الوضع الاقتصادي للبلاد صعب، وتحت الخط الأحمر.
شخصيا أؤمن أن الموازنة يعتريها خلل، ووضعنا المالي سلبي ومتدهور، ولكن من حقنا أن نتساءل، سيما وأننا من سندفع لاحقا، ماذا فعلت الحكومة والحكومات المتعاقبة في بحثها وتقصيها عن الاسباب التي أدت لتدهور موازنتها إلى حد الخط الاحمر؟!، وهل اهتدت للسبب الحقيقي الذي أوصلنا الى ما وصلنا اليه؟ وهل كانت سيارات الإسعاف سببا في التدهور الذي حدث؟، وماذا فعلت (الحكومة) لإعادة الأموال المنهوبة التي استولى عليها كبار الفاسدين؟ وماذا فعلنا لاستعادة اراضي الدولة التي غابت عن الحديث او غيبت عمدا؟ وهل استثمرت الحكومة الأموال التي جاءت إليها كهبات وتبرعات أو التي وفرتها جراء رفع المحروقات في إقامة مشاريع صناعية وإنتاجية تشغّل العمال الاردنيين، وتقضي على البطالة؟ وهل زرعنا الشعير والقمح في أراضينا الزراعية بدلا من استيراد تلك المواد من الخارج؟ كلها اسئلة برسم الإجابة من الحكومة.
كما من حقنا ان نسأل ماذا قدمت الحكومة للمواطن حتى الآن حتى يشعر بجديتها في مكافحة الفساد، وإصرارها على تعديل خلل الموازنة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ونبذ الواسطة والمحسوبية، وتعزيز قيم المواطنة.
المواطن حتى الآن يؤمن أن الواسطة والمحسوبية كفيلة بتسيير أموره، حتى إن بعضنا لو ذهب لمؤسسة حكومية في حاجة صغيرة يصر على وجود توصية عليه من هذا او ذاك، والمشكلة أن التوصية تنجح بامتياز ما يعزز الفكرة بأن الواسطة أساس كل عمل، وأن المحسوبية تؤمن له مكانا للتعيين.
قبل أن تفكروا مجددا برفع المحروقات أو الكهرباء او حتى أجور سيارات الإسعاف، أعلنوا لنا عن حجم الأموال التي سلبت وأعادتها الحكومة، وقولوا لنا بشفافية كيف عالجتم وتعالجون كل قضايا الفساد التي أشّر عليها مواطنون ومرشحون أصبحوا نوابا فيما بعد، وتحدث بها وزراء سابقون، هل فعلتم ذلك قبل أن تقولوا لنا إن أي زيادة لن تؤثر إلا على 10-15 % من أبناء الوطن.
Jihad.mansi@alghad.jo
الغد