هل جعلنا الإعلام الإلكتروني أكثر أم أقل ذكاء؟
باتر محمد وردم
22-02-2013 04:57 AM
منذ بضع سنوات اجتاحت أدوات الإعلام والاتصال الاجتماعي الإلكتروني كل ما كنا نعرفه سابقا من وسائل تواصل وتدفق للمعلومات. هذه الثورة السريعة ساهمت في تغيير الكثير من المعارف والثقافات وكسرت حواجز صلبة وتاريخية كان ينظر إليها بانها غير قابلة للسقوط. عندما أنظر إلى ابنتي التي تستطيع الحصول على كم هائل من المعلومات عبر كبسة شاشة واحدة على جهازها الخلوي الذكي أتذكر كيف كنت أقضى ساعات طويلة في قبو مكتبة الجامعة الأردنية ابحث عن المعلومات والمراجع، وانتظر نشرة أخبار الساعة الثامنة والصحف اليومية والمجلات الأسبوعية المتاحة عبر الرقيب لأعرف ماذا يحدث في العالم. ولكن هل جعلتنا وسائل التواصل الإلكتروني أكثر أم اقل ذكاء؟
في مراجعة لتجربتي الخاصة أدرك محبطا بأنني ومنذ بدات بالإدمان على الفيسبوك وتويتر والمدونات قبل 4 سنوات لم أتمكن من تأليف اي كتاب، واصبحت أجد صعوبة في استمرار الصبر لقراءة كتاب جديد أو القيام ببحث طويل وجدي للحصول على معلومات. ولكنني متأكد ايضا بأن اختراع المطبعة جعل الكتابة بالحبر تاريخا منتهيا وربما شعر المؤلفون آنذاك بأن المطبعة سوف تجعل الناس اقل ذكاء. ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي أن الناس في العادة تنقل المعلومات أكثر مما تقوم بانتاجها وأحيانا يقع الجميع في فخ معلومات مزيفة وكاذبة وسطحية تنتشر بسرعة كبيرة ولا تخضع للمراقبة والتمحيص.
علميا هنالك وجهات نظر ودراسات تدعم كلا الموقفين حول زيادة أو نقصان الذكاء لدى مستخدمي أدوات التواصل الاجتماعي والأمر يتعلق بشكل اساسي بالمضمون. تبادل الأخبار السريعة والوصلات والصور هو بمثابة “معرفة سريعة وسطحية” غير قابلة للتحليل والمناقشة السليمة. في السابق كنا نقرأ كتابا متكاملا أو مقالا طويلا أو تقريرا اخباريا تفصيليا ونتمكن من استنتاج بعض المعلومات من خلال تحليل المضمون ضمن مواقفنا ومرجعياتنا المختلفة، ولكننا الآن ننقل ونقرأ بسرعة وبدون تركيز ونقع ضحايا في كثير من الأحيان لأشخاص يدعون أنهم خبراء في مجال معين لمجرد قدرتهم على استخدام أدوات الاتصال الاجتماعي للترويج لأنفسهم.
في المقابل فإن ادوات الاتصال الاجتماعي أوصلتنا إلى مواقع لم نكن نتخيل الوصول إليها وخاصة في مصادر المعلومات. الفضاء المعلوماتي مفتوح وهنالك تجديد هائل للمعرفة. الصور والفيديوهات التي يقوم بالتقاطها الهواة في الشوارع باتت مصدرا حرا ومستقلا لمعرفة لا تسيطر عليها الحكومات ولا آراء رجال الدين والسياسة. المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث تنشر كل منتجات المعرفة التي تصنعها على الإنترنت وتصبح متاحة للجميع. الذاكرة الدولية ايضا اصبحت موثقة على الإنترنت ويمكن الرجوع إليها بكل سهولة لترسيخ مواقف أو تفنيد بعضها الآخر وأحيانا كشف الأكاذيب التي لا تطول. وسائل الاتصال الإلكتروني ساهمت ايضا في تغيير طبيعة العمل من خلال تسهيل معرفة فرص العمل المتاحة إقليميا ودوليا وخلق أعمال مستقلة تعتمد بشكل كبير على الإنترنت والاتصال الاجتماعي وبكلفة رأسمالية بسيطة. ساهمت هذه الوسائل ايضا في تاسيس مجتمعات افتراضية تضم آلاف الناس المهتمين بقضايا مشتركة. في مجال عملي استطيع الاتصال بخبراء وباحثين ونشطاء بيئيين من كافة انحاء العالم بسرعة وفعالية رائعة، وبإمكاني متابعة ما يقوله رؤساء الدول والحكومات عبر تويتر وبإمكاني مناقشة مواضيع مختلفة عبر صفحات الفيسبوك واتعرف على اشخاص مهمين ومتميزين كان من المستحيل معرفتهم بوسائل الاتصال التقليدية.
في نهاية الأمر الاتصال الاجتماعي الإلكتروني هو أداة يمكن إحسان استغلالها بطريقة ايجابية تجعلنا أكثر ذكاء ويقظة وقدرة على تلقي المعرفة أو أن تجعلنا اقل ذكاء وخاضعين لهيمنة أخبار سطحية وسريعة ومزيفة ننقلها بلا تركيز.
batirw@yahoo.com
الدستور