ارسموا ملامح حكوماتكم القادمة، افعلوا كما يبدو أن ممثيلكم في البرلمان، يفعلون.
لكم أيضاً أن تتخيلوا وتشاركوا في رسم صورة لشكل كبار المسؤولين الذين سيقودون مسيرة العمل العام وخدمة الوطن والمواطن في المرحلة المقبلة، وإلا فكيف تكون "المشاركة السياسية الحقيقية".
تخيلت وسط ما يجري في أروقة المشاورات الخاصة بخلق اجتماع نيابي توافقي تشاركي حول تسمية الرئيس الجديد ووزرائه، أو على الأقل وضع تصورات لسِماتهم ومزاياهم وكفاءاتهم العلمية والعملية ومواقفهم ومناقبهم، تخيلت أن تُتاح لنا الفرصة نحن المواطنين الذين غَمسنا أصابعنا بحبر الحكومة، وتجشمنا عناء التصويت والانتظار، واحتملنا الحيرة بين الصور والرموز، أن نضع نحن أيضاً تصوراتنا طالما أن موقفاً واضحاً توافقياً لا يبدو أنه سيأتي، وإجماعاً لا يُدرك يلوح في أفق المشهد النيابي التشاوري.
ماذا لو أُتيحت لنا فرصة أن ندلوَ بدلونا لاختيار مسؤولينا، من بين آلاف الأسماء المُتاحة والشخصيات المُرشحة والقامات التي اعتادت (التطقُم) وانتظار اتصالٍ على هاتفها الخلوي كلما لاح في الأفق تغييرٌ وزاري أو تعديل.
من أين سنأتي بوزراء يقبلون القسمة على رضا الكل، وإجماع الناس، وتوافق كل الأطياف والشرائح وكافة المنابت والأصول، من هو الرجل الأفضل لملء المكان المناسب، ومن ذا الذي يحوز احترام الجميع، لكفاءته واعتداله وسويته ونظافته، ويمكنه أن يُلملم شتات المواقف وتعدد الولاءات.
برأيكم هل سنقدر على اختيار المناسب للمنصب المناسب، بعيداً عن عُقد الجهوية ومشاعر الأسرية والعشائرية أو الانتماءات الدينية أو الحزبية، ماذا لو افتقرت قائمة الكفاءات المُتوافق عليها، من أحد أبناء عمومتنا أو أصحابنا أو كبارنا الذين قضوا أعمارهم ينتظرون ذلك الاتصال الذي لم يأت حتى الآن.
ماذا لو اتفقنا الآن وأجمعنا على اختيار وزرائنا، لمن سنُكيل انتقاداتنا كل صباح على برامج الإذاعات المحلية، وممن سنشكو، وبوجه من نُفرغ جُم تعبنا ونكيل اتهامات الفساد والمحسوبية والشللية وسوء إدارة الوزارة والقطاع، لمن سنقول "العدل، يا معالي الوزير" بعد اليوم.
من أين سنأتي بوزراء من مُتفنني النفي الدائم بالأداء الاحترافي المهني الذي لا يُشق له تصريح، ذلك النفي الذي يكاد يُزعزع ثقتك حتى بما تراه عيناك، ومن أين سنأتي بوزراء يقولون مساءً ما بدأوا نهاراتهم بعكسه، ثم عليك أن تُصدقهم في الحالتين.
من أين سنأتي بوزراء يتعالون على صغار الموظفين.. فيستهجنون تحية رجل الحراسة البسيط، مؤكدين له أن (حجمه) لا يؤهله لتحية معاليه. والآخرون الذين يُجَهِلون الصحفيين ويَطعنون الاستقصائيين منهم، وأيضا أولئك الذين اعتادوا أن يشيعوا حالة من التفكير الإيجابي لدى الحاكم. والمحكوم بالتأكيد في كل لحظة على أن "كل الأمور تمام يا سيدي".
من أين لنا بمسؤولين تُدهشنا أسماؤهم التي نسمعها لأول مرة ثم نعرف أنها كانت موجودة بقوة في أجزاء لا ندرك سبرها في الدولة، وآخرونَ تُداعب أحلامنا أناقتُهم ونتحاكى طويلا بالطريقة التي أدوا فيها القسم "بأن أؤدي واجباتي بأمانة"، بمسؤولين نشعر أنهم وزراء أولاد وزراء، منذ اللحظة الأولى التي يطلون بها على شاشة التلفزيون ليبدأوا "في الحقيقة". سنشتاق لهذه الطلة التي كنا قد تعودنا عليها، حتى جاء الاختبار الحقيقي لنا بأن نختار وزراءنا بأيدينا، لنُدرك أخيراً أننا عاجزون حتى عن أن نتخيل من هو المناسب للمنصب المناسب. بصعوبة استعدت نفسي من تخيلاتي لأدرك أنه "لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع".
hani.badri@alghad.jo
الغد