لا تكاد تخلو الصحف المحليّة من نقل أخبار يومية عن إتلاف كميات كبيرة من الأغذية الفاسدة، أو التي فقدت صلاحيتها أو التي جرى التلاعب والعبث في مواصفات تصنيعها.
كما جرى إغلاق مجموعة من المحال المشهورة التي لا تلتزم بشروط السلامة الصحيّة. ففي صحف الأمس خبر عن أمانة العاصمة أنها قامت بإتلاف أطنانٍ من اللحوم الفاسدة في أحد المستودعات في "ماركا"، وفي الصحيفة نفسها خبر آخر يفيد بأنّ مديرية صحة البلقاء أقدمت على إتلاف نصف طن من الدجاج المجمّد الفاسد في "عين الباشا"، وقبل يوم واحد نقلت الصحف خبر العثور على أطنان من العصير الفاسد على قارعة الطريق في منطقة "عراق الأمير"!!
إنّ تكرار الأخبار بشكلٍ يوميّ عن قيام الجهات المختصة بإتلاف الأغذية الفاسدة بكميات كبيرة يدلّ بشكلٍ مؤكد على أنّ الجهود المشكورة كبيرة وحثيثة التي تقوم بها الدوائر المعنيّة في هذا المجال، ولكن هناك دلالة مرعبة ومخيفة من جديّة هذه الأخبار، تتمثل بكونها ظاهرة واسعة ومنتشرة في معظم ربوع المملكة، وإنّ مجرد العثور على بعضها يدل بشكلٍ مؤكد أنّ كثيراً من الحالات لم يتمّ كشفها، وقد تمّ بيعها للمواطنين وتمّ استهلاكها!!.
إنّ إقدام بعض التجار أو أصحاب المطاعم على بيع أغذية فاسدة، أو استعمال مواد غير صالحة للاستهلاك البشري وتقديمها في وجبات غذائية للمواطنين يشكّل جريمة كبيرة وبشعة بحق الوطن والمواطن، وهي تمثل اعتداءً سافراً على الحياة الإنسانية، وتقع في خانة التهديد للسلامة العامّة، وهي تعادل جرم "الخيانة العظمى" وتوازي جرائم "الإرهاب" التي جرى تضخيمها ووضع التشريعات القاسية التي استطاعت الحدّ منها بشكلٍ كبيرٍ وناجح.
إنّ تكرار هذه الجرائم على هذا النحو الواسع يدل دلالة واضحة على خلل كبير في طريقة المعالجة وفي التشريعات العقابية التي تعالج هذا المستوى المرعب من الخيانات الخطرة التي تهدد مستقبل عائلاتنا وأطفالنا، وتهدد مستقبل الأوطان.
وأمّا الأمر الآخر الذي يجب البحث عنه في وجود شخصية متنفذة عادة وراء هذا الإقدام الجريء على ارتكاب مثل هذه الجريمة، وهناك رشاوى ودسائس وسوق سوداء، وعصابات تشترك في حبك هذه المؤامرات.
إنّ مجرد الاكتفاء بعقوبة "الإتلاف" أو ترتيب بعض الغرامات المالية مع اتباع سياسة التستر على المجرم لا يمثل عقوبة رادعة قادرة على معالجة هذه الظاهرة المرعبة، وينبغي التوجه نحو ايجاد تشريعات جديدة تعالج موضوع الاتجّار بالغذاء الفاسد، والإقدام على العبث بقوت المواطنين على هذا النحو، عن طريق النص على عقوبات قاسية ورادعة، تجعل هذا الجرم بموازاة جرائم الإرهاب والخيانة العظمى؛ لأنّها لا تقلّ من حيث آثارها ونتائجها على الحياة الإنسانية والسلامة العامّة.
إنّ الذي يقدم على هذه الجريمة التي تمس قوت المواطن والغذاء العامّ وهو يعلم فإنّما يدل على وجود شخصية خالية من الضمير وفاقدة الإحساس بالمواطنة، فضلاً عن تدنّي مستوى الأخلاق والتديّن المفضي إلى البلادة النفسية التي تستحق العلاج والايداع في مستشفى الأمراض النفسية.
هذا الصنف من الجرائم، يستحق التشهير، وعدم التستر بالإضافة إلى ايقاع العقوبة الصارمة، لأنّ جرائم الاعتداء على الحياة العامّة تستحق التحذير العام للمواطنين من التعامل مع هذا المستوى الخطر من البشر، وخاصة عند تكرار الجريمة أكثر من مرة، فهؤلاء يستحقون أن تنشر أسماؤهم في قوائم سوداء معلنة تعلّق في الأسواق وعلى قارعة الطريق من أجل القضاء على هذه الآفة، واقتلاع جذورها.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم