عزفت كتل نيابة عن تسمية شخصية توافقية أو أكثر لتسلم موقع رئيس الحكومة المقبلة التي تجرى المشاورات حولها بين كتل مجلس النواب السابع عشر ورئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة، حاليا.
الواضح أن النواب لا يرغبون في تحمل وزر اختيار رئيس وزراء للمرحلة المقبلة. وهذا خيار تختلف حوله الاجتهادات. إذ يرى فريق من المراقبين أن النواب محقون في موقفهم، وأنهم لا يستطيعون تحمل وزر المرحلة المقبلة، وتحمل وزر اسم لرئيس وزراء مقبل ستكون على أجندته قضايا مفصلية تهم المواطن، ويمكن بالتالي أن يساهم هذا في تراجع شعبيتهم كثيرا في الشارع. فريق آخر من المراقبين يعتقد أن النواب من خلال حديثهم في العموميات، وعدم ترشيحهم لرئيس حكومة للمرحلة المقبلة، يضيعون فرصة جيدة كان يجب البناء عليها من قبل نواب الشعب، وأن المجلس أظهر ضعفا في خلق حالة توافق كتلوي على أسماء معينة ومنتقاة تصلح للمرحلة المقبلة، وخرج من ضعفه الظاهر للقول إنه لا يريد طرح أسماء مقترحة.
نعم، اللقاءات مستمرة، وبطبيعة الحال يمكن أن تخرج كتل نيابية سيلتقيها رئيس الديوان الملكي يوم غد الخميس عن هذا النهج، فتقدم أسماء مقترحة لتسلم موقع رئاسة الحكومة. لكن ما دار في البيت النيابي خلال الأيام الماضية يشير إلى خلاف ذلك، ويُظهر أن جل أعضاء المجلس متوافقون على عدم الدخول في تفاصيل الأسماء، ويدفعون للحديث في شخصية رجل المرحلة المقبلة، والمهام الملقاة على كاهله.
صحيح أن 80 % من أعضاء مجلس النواب غير متحزبين، ومنهم من جاء إلى المجلس من خلال علاقات عامة وترشيحات عشائرية وجهوية ومناطقية وخدمية؛ بيد أن ذلك لا يعفي النواب من مهمة "اقتناص" الفرصة وعدم التفريط بها، والذهاب إلى خلق تحالفات كتلوية فيما بينهم كما فعلوا عند انتخابات اللجان النيابية، وتشكيل تيار نيابي عريض يتبنى طرح اسم أو اسمين متوافق عليهما لرئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة، مع عدم نسيان أن مجلس النواب الذي سيقوم بطرح اسم الرئيس المقبل، ومنحه الثقة بعد ذلك، باستطاعته أيضا حجب الثقة عن الرئيس إن لمس النواب خروجا من قبله عما جرى التوافق عليه. أعتقد أن ذلك كفيل بمنح المجلس شعبية مضاعفة عن الشعبية التي يمكن أن يحصل عليها أعضاء الكتل عندما يقررون عدم تسمية شخص للمرحلة المقبلة؛ ففي هذا خطوة إلى الوراء، وابتعاد عن رؤية الملك في موضوع الحكومات البرلمانية.
ما يجري حاليا في بيت النواب بالعبدلي بمثابة صداع في الرأس، وأهون الأمور أن يقول النواب: لا نريد أن نقدم أسماء مقترحة، وبذلك يبتعدون عن المشاركة والخيار.
هذا يدفعنا إلى التذكير بأن النواب في حقيقة الأمر مشاركون في الخيار والاختيار. فالرئيس المقبل وإن لم تتم تسميته من قبلهم، سيطلب ثقتهم، وسيُمنح الثقة، وبعد ذلك سيذهب للعمل كيفما يريد أو كيفما اتفق مع النواب.
ذلك يعني أن الصداع سيبقى في البيت النيابي، إذ لن يخرج الرأي العام ليقول إن النواب لا يتحملون مسؤولية قرارات الحكومة المقبلة لأنهم لم يشاركوا في خيار الرئيس، بل هم يمنحون الثقة ويحجبونها، ويسألون ويستجوبون، وأي تقصير سواء كان اسم الرئيس المقبل مرشحا من قبل النواب أو لم يكن، سيسبب صداعا لهم مع الرأي العام.
هي فرصة كان يتوجب على مجلس النواب السابع عشر التقاطها، وأن يفتح حوارات بين أعضائه أكثر قوة، وبعمق أكبر، كما يفتح حوارات مع الأحزاب خارج قبة البرلمان للاستماع لرؤيتها ووجهات نظرها، وأن يقدم المجلس بعد ذاك رؤية إصلاحية توافقية للمرحلة المقبلة، ويشكل تيارات بين كتله المختلفة للوصول إلى معادلة كتلة الأغلبية، ومن ثم يقوم ذلك التيار بتسمية رئيس وزراء، فيما تشكل الكتل الأخرى معارضةً لهذا التوجه. وبذا نكون قد أسسنا لمرحلة جديدة وحقيقية، يمكن البناء عليها لاحقا.
الغد