تبدو مهمة رئيس الديوان الملكي، د.فايز الطراونة، اليوم في التشاور مع الكتل النيابية لتسمية رئيس الوزراء المقبل، أشبه بالماراثون للوصول إلى نتائج محدّدة وفي وقت معين، لكن وسط متاهة حقيقية في آراء ومواقف الكتل النيابية المختلفة تجاه الحكومة البرلمانية!
من المعروف أنّ صعوبة هذه المهمة تتمثّل في التفاوض مع كتل نيابية هشّة وضعيفة، تفتقر إلى تقاليد راسخة، ما يجعل من تشكيل الحكومة البرلمانية أقرب إلى "الأحجية" التي تتطلب "وصفة مؤقتة" مع مجلس نواب جاء عبر قانون انتخاب تتناقض مخرجاته تماماً مع ديناميكية الحكومة البرلمانية نفسها!
توجهات ومواقف الكتل النيابية الرئيسة (وطن، التجمع الديمقراطي، الوسط الإسلامي، الوعد الحرّ، الاتحاد الوطني، والمستقبل) تعكس تماماً حجم الارتباك وغياب التصوّرات الدقيقة في مخاض تشكيل الحكومة؛ إذ تعاني الكتل، أولاً، من غياب التفاهمات على الأسماء المقترحة لرئاسة الحكومة داخل الكتل نفسها، فضلاً عن عدم إدراك أهمية بناء تحالفات وائتلافات بين هذه الكتل، وهو شرط رئيس لفكرة الحكومة البرلمانية؛ إذ يكفي أن تتشكّل أغلبية تتفق مع رئيس الديوان على الاسم.
بعض النواب يقفز خطوات إلى أمام نحو تحديد إطار لبرنامج إصلاحي لإلزام الشخص المرشّح، وشروط من قبيل عدم رفع أسعار الكهرباء والماء. وهذه الحيثيات وإن كانت من حيث المبدأ مشروعة، إلاّ أنّها تنطبق على رئيس حزبي له برنامج واضح مدروس، وهو ما لا يتوافر بالضرورة في المشهد المحلي. إذ إنّ قراراً بعدم رفع أسعار الكهرباء، مثلاً، يعني عدم التزام باتفاقية صندوق النقد الدولي، ما يقتضي بالضرورة وجود بدائل واضحة وعملية لدى الرئيس المرشّح، وهي مسألة على درجة عالية من التعقيد ضمن المعادلة الراهنة!
إذا تجاوزنا الماراثون الحالي، وافترضنا نجاح رئيس الديوان في إنجاز "اتفاق مبدئي" مع الكتل النيابية على اسم الرئيس، فإنّ مهمة الأخير ستكون أكثر تعقيداً في تسمية فريقه الوزاري مع كتل أقل اتفاقاً وأكثر تصدّعاً وأكثر متاهة في هذا المخاض؛ ما يزيد من احتمالية تشقّق الكتل نفسها، وتمزّقها، وانهيار التفاهمات التي توافقت على اختيار الرئيس!
في ظل هذا الواقع المتشابك والمرتبك، فمن الضروري قبل الولوج إلى نتائج وتفاهمات شكلية، أن يتم تحديد وترسيم خريطة الطريق والمراحل المطلوبة، والإجابة عن أسئلة أساسية تساعد كثيراً في عدم الانزلاق إلى حالة من الفوضى الحالية أو الوشيكة، في ظل الوضع الراهن.
الأسئلة المطلوب الإجابة عنها طرحتها النائب وفاء بني مصطفى، في مقالتها "البرلمان والعهد الجديد للنظام" (على موقع عمون الإلكتروني)؛ وستشكّل الإجابة عنها - بالفعل- مداميك مهمة في التأسيس للعهد الجديد، وأبرزها: هل رئيس الحكومة من البرلمان أم لا؟ هل نريد أن يجمع النائب بين الوزارة والنيابة؟ هل تستطيع الكتل أو أغلبيتها الاتفاق على تسمية رئيس الوزراء؟ هل تستطيع الكتل الأخرى تشكيل ائتلاف معارضة (حكومة ظل)؟
الكرة، إذن، في ملعب مجلس النواب. وعلى الكتل النيابية ترتيب بيتها الداخلي، خلال المشاورات مع رئيس الديوان الملكي؛ ففي حال تشكّل ائتلاف أغلبية وآخر معارضة، فإنّ ملامح الخريطة تكون قد اتضحت أكثر، وتجنّب المجلس نقاشات عقيمة ومرهقة بلا طائل. أما إذا اكتفى المجلس، كما تقول النائب في مقالتها، بمفاوضات شكلية، واختزلت الكتل النيابية دورها في خطب وأفكار ارتجالية، وبأسماء للوزراء، من باب المحسوبية والعلاقات الخاصة، دون التوافق على ديناميكيات محدّدة، فإنّ المجلس هو من يعود بالأردن "للخلف دور"، ويعزّز من سلبية المزاج الشعبي تجاه العملية السياسية بأسرها!
في ظل عامل الوقت المأزوم والارتباك الحالي، ثمة اقتراح آخر، سنطرحه في مقالة يوم غد.
m.aburumman@alghad.jo
الغد