يقول المهاتما غاندي Mahatma Gandhi في إحدى رسائله لزوجته من داخل سجنه في
مدينة " بومباي- مومباي" في الثلاثينيات من القرن الماضي، " ...أريد أن أذكرك بأن تنقلي إلى جموع الفقراء الهنود بان يتشبثوا بالأرض، ويتذكروا دائما بان قمع رأس المال أثقل على النفس البشرية من وطأة اعتي الأنظمة دكتاتورية...".هذا ما قاله غاندي محرر الهند وزعيمها الروحي، الذي تجسد نظريته أعظم حالة توازن في العلاقة ما بين الإنسان والأرض ورأس المال. ولعظمة هذا الزعيم ودورة في بناء الأمة الهندية، ما زال الشعب الهندي يعتز بذكراه وبمسيرته النضالية حتى اليوم.
في هذا المقام اتفق في الرأي مع وجهة نظر بعض المحللين السياسيين الذين تناولوا ظاهرة إرتفاع الأسعار، خاصة أسعار الطاقة، التي إجتاحت العالم في بداية العام"2008"، وما زالت تضفي بضلالها على الإقتصاد العالمي حتى اليوم. و يعزو بعض الإقتصاديين إرتفاع أسعار الطاقة إلى عقلية المؤامرة، وبأنها محاوله أمريكية – غربيه لإستنزاف طاقات الصين الاقتصادية، ووضع حد لرخص إنتاجها الذي اكتسح أسواق العالم هذا من جهة، والتأثير على التسارع المطرد للنمو الاقتصادي الهندي الواعد وكبح جماحه وإستنزافه من جهة أخرى ، وذلك بدفع أسعار الطاقة إلى الإرتفاع بشكل "هستيري". وقد تكون وجهة النظر هذه محقة إلى حد ما، حيث أن الشركات الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص هي التي تتحكم بأسعار الطاقة، وبالتالي فان لهذا التحليل الكثير من المريدين والمؤيدين. إلا أن السحر لم يلبث أن انقلب على الساحر، و"أنكوى" الغرب بنار" توجهاته- مؤامرته" وأصبح أل" وول ستريت Wall Street " والجنيه الإسترليني و" اليورو" أول المستغيثين ب" بيت مال العرب ".
أسوق هذه الخواطر وأنا أحاول أن أجد إجابة أو مبررا أو مسوغا أو مشروعية للإستمرار في الإرتفاع المذهل للأسعار الذي إجتاح السوق الأردنية ، خاصة أسعار المواد الغذائية. صحيح أن ظاهرة ارتفاع الأسعار هي ظاهرة عالمية وتعالج من قبل الدول كافة وعلى أعلى المستويات. وقد أتفق في الرأي مع الذين يرون بأن سبب ذلك يعود إلى إنخفاض سعر صرف الدولار، وهي العملة التي ترتبط بها عملتنا الوطنية؛ بالإضافة إلى تواصل ارتفاع أسعار الطاقة خلال الفترة السابقة، والذي وصل إلى أعلى مستوياته في التاريخ الحديث وهو مستوى قارب أل 150 دولاراً للبرميل الواحد. لكنني قطعاً لا اتفق مع كل المرابين والجشعين الذين ما زالوا على ضلالتهم وإستمرأوا رفع اسعار أرزاق عباد الله دون مبرر و بصورة لا يقبلها، لا العدل و لا المنطق، وبطريقة لا توازي الإرتفاع الذي طرأ على أسعار الطاقة. في الوقت الذي تتجاوب فيه شعوب أخرى مع العدالة في الأسعار وبطريقة تلتقي مع الإرتفاع او الإنخفاض في أسعار الطاقة.
لكنه، ونظراً لعدم وجود رقابة " صارمة" من الطرف الرسمي الأردني، فقد بقيت الأسعار، خاصة المواد التموينية، على هذا المستوى الظالم وغير المنصف، والذي يعتبر جريمة اقتصادية وطنية يعاقب عليها القانون.
أمام مجلس النواب...وزارةً للتموين... استحقاق سيادي!!!
لقد مر الأردن، والمنطقة بشكل عام، بظروف صعبة بدأ بنكبة 1948وهزيمة حزيران 1967، وتداعيات حرب 1973 وحرب لبنان 1975-1987، وحروب الخليج: الأولى 1980-1988، والثانية 1990-1991، والثالثة 2003- إلى أن يشاء الله!!!، إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا على المواطن الأردني، وعلى مدى توفر السلع الضرورية وبأسعار معقولة له. فقد حرصت الدولة الأردنية على التأكيد بان أمن المواطن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن الوطني- العسكري. وقد كانت وزارة التموين تشكل رمزا من رموز السيادة الأردنية التي تضع حدا لمن يريد العبث بأمن المواطن الغذائي. واستمرت مراقبة الأسعار ووضع حد لجشع الطامعين وبأشكال مختلفة عبر تاريخ وطننا العزيز، إلى أن جاء البرلمان الثاني عشر 1989 ، وقام بإلغاء هذه الوزارة المهمة والأساسية والسيادية في مجتمع فيه بعض الآفات التي تريد الإثراء على حساب الحق والعدل ، وعلى أنقاض لقمه عيش المواطن الكادح.
والآن فإنني أتمنى على الدولة الأ{دنية، خاصة مجلس النواب، بوضع رقابة مشددة على العابثين بلقمة عيش المواطن والمحتكرين للسلع الأساسية التي تعتبر خطاً احمراً لأمن هذا الوطن . كما اشد على أيدي كل الذين يؤيدون إحياء وزارة التموين وبصلاحيات تفرض هيبة الدولة، و تكفل تطبيق القانون والنظام على أمثال " شايلوك- بطل حكاية تاجر البندقية"، وكل المتلاعبين بلقمة عيش الأردنيين والجشعين وغير المنتمين لهذا الوطن، وذلك من اجل حماية امن الوطن والمواطن، وحتى نستطيع تحصين مجتمعنا، وان لا تصبح الأسعار قميص عثمان تسعى القوى والأطراف، الداخلية والخارجية، والتي لا تريد الخير للأردن وشعبه وقيادته، أن تنفذ من خلاله، مستهدفة هذا الوطن ومسيرته الظافرة. نعم "غاندي" على حق حينما حذر الجماهير الهندية من رأس المال وخطورة أجندته في أحيان كثيرة!!!!
almajali74@yahoo.com