هل يمكن لمجلس النواب أن يبدأ عملية التغيير؟ سوف نلمس، بالطبع، تغييرات جانبية، لكن أخشى أن التغييرات الحقيقية الملحة سوف تظل خارج البحث. وأشير، هنا، إلى أكثرها إلحاحا:
أولا، هدر المساعدات الخليجية لسنة 2013: خصص مجلس التعاون الخليجي مساعدات تنموية للأردن قدرها مليار وربع المليار لسنة 2013. وتقتضي العقلانية الاقتصادية، توجيه هذا المبلغ لتمويل متطلبين أساسيين يشكلان أهم معضلتين اقتصاديتين ـ اجتماعيتين، تواجهان البلد، وهما (1) خفض الفاتورة الكلية للطاقة.
والمشاريع اللازمة في هذا الباب عديدة من بينها رصيف الغاز وتحسين أداء المصفاة والاستثمار في تطوير الطاقة البديلة بالشمس والرياح، وإعادة تأميم شركة توليد الكهرباء وتجديد أو تطوير وصيانة أجهزتها ومضاعفة كفاءتها ( بما يؤدي إلى خفض كلفة انتاج الكهرباء) الخ (2) تكثيف تمويل الاستثمارات الصغيرة، الزراعية والصناعية، في المحافظات، بما يؤدي إلى توليد فرص العمل لأبنائها وتعزيز القوة الشرائية للأسواق المحلية، بما ينعكس على الأداء الكلي للاقتصاد.
وزارة التخطيط لم تنظر إلى الموارد المحدودة المتاحة في المساعدات الخليجية، نظرة كلية وتنموية، وإنما استعادت ذلك المنهج المختلط بين النزعة البيروقراطية التقليدية لتمويل مشاريع الوزارات و النزعة الليبرالية الجديدة المعروفة التي ارساها باسم عوض الله للإنفاق بالهدر، وإحلال ضخ الأموال العشوائي محل التمويل بالأهداف التنموية الاستراتيجية.
إذا استطاع مجلس النواب الحالي أن يبدأ بتعطيل لائحة الإنفاق بالهدر التي قررها وزير التخطيط جعفر حسان، وإعادة توزيع المساعدات المتوفرة على الأولويتين الاستراتيجيتين أعلاه، فسيكون قد أحدث فرقا لجهتين، تلافي زيادة غير عقلانية في أسعار الطاقة وخصوصا الكهرباء والتوصل إلى معادلة كفؤة لتكاليفها، وخفض التوتر الاجتماعي في المحافظات. وهما هدفان يدخلان في صلب إنجاح عملية التغيير السياسي في ظل الاستقرار.
ثانيا، في ضوء ما سبق، وفي ضوء تتبع الدور السلبي لوزارة التخطيط على سلامة المالية العامة و الاقتصاد الوطني، سوف يقوم المجلس بإحداث اختراق نوعي إذا ما أخضع جدوى بقاء وزارة التخطيط للدرس. وهناك اقتراحات جادة بضرورة الغائها وتحويل مهماتها إلى وزارة المالية إلى حين إنشاء صندوق سيادي مستقل تخضع له الموارد الخارجية من مساعدات ومنح وقروض، فيقوم بإداراتها وتخصيصها وفقا لدراسات الجدوى والانضباط المالي.
ثالثا، إلغاء قانون التخاصية بما يعني الحفاظ على ما بقي للحكومة من مُلكيات في الشركات الاستراتيجية والمرافق، وإصدار قانون هيئة لإدارة الموجودات العامة. وعلى الصعيد نفسه، حل اللجنة الحكومية المشكلة لمراجعة الخصخصة من قبل شخصيات تنتمي، كلها، إلى المدرسة الليبرالية الاقتصادية المؤمنة بالخصخصة كعقيدة، وتشكيل لجنة جديدة من النواب والمختصين من المدارس الاقتصادية المختلفة ، للقيام بمراجعة عمليات الخصخصة.
رابعا، إخضاع السياسة الخارجية لمناقشات التشكيل الحكومي، والتوصل إلى خطوط عامة وتفصيلية حول السياسة الخارجية كجزء من برنامج ملزم للحكومة البرلمانية، وإعادة هيكلة الوزارة وتسمية الوزير المناسب لتنفيذ تلك السياسة، ومرجعيتها مجلس الوزراء، صاحب الولاية العامة. على وزارة الخارجية أن تكون أداة للدفاع عن مصالح وهيبة وكرامة الدولة الأردنية من جهة، والبحث عن الفرص التنموية في العالم من دون تمييز سياسي، من جهة أخرى .
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم