على هامش المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة المقبلة، يجب أن تشتغل خلية موسعة من نواب وخبراء حكوميين ومهنيين في الإجابة عن السؤال الأبرز: كيف نعالج الأزمة المالية ونخفف الأعباء المعيشية على الناس في آن معا. هذه قضية عابرة للتلاوين السياسية والبرلمانية، وستكون أمام أي رئيس أو فريق حكومي، وليس هناك جهة بعينها تملك بديلا موثوقا أو حلا سحريا. نحتاج إلى التفكير معا بصوت عال، سعيا إلى بلورة رزمة من الإجراءات القريبة ومتوسطة المدى.
يجب أن نسجل أن حكومات ومسؤولين ونافذين قادوا البلاد إلى الإفلاس، يتركون لنا الآن أن نتحمل المسؤولية في أسوأ الظروف؛ وهذا ليس عادلا بحق مشروع الحكومة البرلمانية العتيدة. مع ذلك، لا نستطيع أن نخلي الطرف ونقول: لنبق بعيدين، ونؤجل مشروع الحكومة البرلمانية إلى زمن آخر، بل علينا أن نضطلع بالمسؤولية. وستكون الشفافية، والإدارة الرشيدة، والتقشف الرسمي الحكومي والبرلماني، عربون المصداقية للسياسة الاقتصادية الجديدة.
مجلس النواب يمكن أن يبدأ بنفسه ولنفسه بسلسلة من الإجراءات التي تعزز مصداقيته، وتعلي شأنه في عيون الناس. وفي هذا الصدد، يجب إجلاء ما حدث بشأن انتخابات رئاسة المجلس. فلم يكن ما حدث انتكاسة أبداً، بل على العكس؛ كان أول انتصار لاستقلالية المجلس وإرادته الحرة. وقد كان هناك عدة مرشحين توزعت عليهم الأصوات كما لم يحدث من قبل. وفي الجولة الثانية، لعبت كتلة التجمع الديمقراطي وحليفتها كتلة الوعد الحر دورا حاسما في ترجيح كفة الفائز، بقرار سياسي حر ومحسوب جيدا. ومقال الزميل فهد الخيطان أول من أمس يوضح خلفية الموقف، ولا حاجة لتكرارها هنا.
ولدينا الامتحان الثاني غداً الأحد في موضوع اللجان. فلا يجوز صرف أكثر من جلسة واحدة لهذا الشأن، ويجب تحقيق توافق ينقذنا من انتخابات ماراثونية غير مجدية، تضيع الوقت والجهد. فاللجان الحالية لن تدوم أكثر من شهر، يتغير خلالها النظام الداخلي لمجلس النواب، ويتغير هيكل اللجان وعددها وعضويتها.
تغيير النظام الداخلي سيكون أولوية قصوى التزم بها الرئيس ويريدها النواب، وسيؤدي إلى تغيير كل شيء بصورة عميقة في عمل المجلس. فالجلسات العامة لن تعود منتدى يصرف فيه ثلاثة أرباع الوقت على مناكفات عقيمة، وسباق الجميع على الميكروفون؛ بل ستنتقل النقاشات كلها حول القوانين إلى الكتل واللجان. إلى جانب تغييرات عميقة أخرى تعزز الكفاءة والفعالية، كما تعزز الديمقراطية والشفافية.
في الأثناء، فإن إدارة الجلسات لا تستطيع أن تنتظر النظام الداخلي الجديد، ولا بد أن تُظهر الرئاسة حزما شديدا إزاء أي سلوكيات تخرج عن النظام أو اللياقة. ويستحسن استباق الأمر بتحذير حاسم من الرئيس، أو اقتراح عقوبات يوافق عليها المجلس. إذ يمكن لصورة النواب، ببساطة، أن تتلقى ضربة قاصمة مع أول "كندرة" تطير في فضاء القبة؛ ولن ننسى الألقاب المهينة التي أطلقت على مجلس النواب بسبب هذه السلوكيات. وقد لاحظنا كيف ترك قرار الرئاسة بالتحول إلى التصويت الإلكتروني أثرا طيبا فوريا، ولنتخيل أننا عانينا عامين في المجلس السابق من التصويت والعد اليدويين وما كان يحيط بهما من نزاعات وشكوك، بينما النظام الإلكتروني موجود وجاهز للاستخدام!
jamil.nimri@alghad.jo
الغد