للكرك سجل تاريخي عريق، ابتداء من عصور ما قبل التاريخ، مرورا بالآراميين، والمؤابيين، والاشوريين، والانباط ،والرومان، والبيزنطيين، تعريفها مرتبط بسير الابطال الفاتحين، وشموخها على تلك التلال الإستراتيجية كانت وما تزال فخرا للفاتحين وعينا على طريق الحجاج.الكرك وعبر سجلات التاريخ كانت دائما تزهو بسجل ناصع، ارتبط اسمها الخالد بميشع المؤابي والفاتح صلاح الدين الأيوبي ، والظاهر بيبرس ، والملك الصالح، وذاك الرحالة ابن بطوطة يعدها من أعجب الحصون وامنعها وأشهرها. ولا ننسى للكرك ما قدمته في العصر الحالي من أمجاد وبطولات حين عصت هذه المدين وعصا أبناءها الشرفاء على ان يسيروا في مركب الذل والمهانة، فكانت الواقعة ( هية الكرك) اجدى الثورات العريقة التي ساهمت في صنع النصر القومي وأزهقت فيها ارواح الابطال من أبناءها على اعواد المشانق، والرمي من على قمة قلعتها الى الوادي المقابل غربا، عقابا على حب اؤلئك الأبطال لأرضهم ووطنهم وإيمانهم القومي.
واليوم ما هو حالك يا كرك، وأنت تنشئين للوطن رجالا يحملون القاب دولة ومعالي ، وقادة للفكر والسياسة، وآخرين يحملون مراتبا ورتبا قيادية عالية ( قوة مال وجاه) ، أشغلتهم مصالحهم ومشاغلهم الذاتية بان لم يعودوا ليتفقدوا حالك يا كرك، فما زال مشهد الكرك على حاله منذ أربعين عاما لم يتغير، تشكو الكرك حالها وحال أبناءها،؟ الذين غادروها دونما استئذان وهم لا يأبهون بحال أمهم الكرك، فحين يدخلها الزائر من بوابته الرئيسية الشرقية يرى حجم المأساة، فشواهد الاستقبال وللأسف ( مكاب النفايات) السائلة والصلبة بما تحمله من سوء الطالع وريح الاشمئزاز. وذلك الوادي ( وادي الموت) الشاهد يوما بعد يوم على حجم كوارث الومت والمأساة التي لحقت بمئات الابناء والعائلات ، ومصائب الموت المتكرر.
كم أنت عزيزة علينا يا كرك حين نتجاوز هذا المشاهد المأساوية ، المؤرقة، والمؤلمة لندخل اليك عبر تلك الشوارع البالية المقطعة الأوصال والتي تشكو حالها الرديء لا تليق بالداخلين اليك يا كرك والى ذلك الحصن الشامخ العتيد.
فأين انتم يا أبناءها ... يا أصحاب الدولة والمعالي، يا من فضلت عليكم أمكم الكرك، فلم تفضلوا عليها بشيء، ويا من أرضعتكم الكرك حليب الأحرار ولم يثمر فيكم ذلك الحب والعطاء.
في العام الماضي خاضت الكرك كغيرها من مدن الاردن مسابقة ( مدينة الثقافة الاردنية) فكان حجم الإقناع المحمول من عرينها انها صاحبة فرصة كبرى ونصيب اكبر في ان تصبح مدين الثقافة الأردنية لذلك العام، وما أثار في نفوسنا الحزن والأسى، ان هذه الاوراق وذلك الكم الهائل من حجج الإقناع قام بحمله الى ذلك المحضر (متطوعون ) من ابناء الكرك الغيورين لا يحملون القابا رسمية، ولا يملكون دعما كغيرهم من أبناء المدن الاخرى وكانوا يعملون بجد وعلى الرغم من كبر حجم الإقناع والاعجاب الى ذلك الكم الهائل للموروث ، أصبح الحلم وللأسف سرابا وأبعدت الكرك من هذا التنافس وهذا المحضر نهائيا.
فيا أبناء الكرك، عودوا لاحتضانها كما احتضنتكم ودفعت بكم الى ساحات الوطن، تحملون اسمها العريق، فالكرك لا تريد منكم إلا لحظة إخلاص وصدق وحنين وشفقة بالحال، فما انتم فيه وما وصلتم اليه ، الكرك وبكل فخر صاحبة الفضل فيه.
* كاتب وباحث اردني