من وجهة نظر أميركية, وصول الأزمة في سوريا الى هذا الحد يكفل عزل سوريا عن محيطها مستقبلاً و يؤسس لمرحلة من الانكفاء الذاتي و التورط الداخلي, و بالتالي فان هدف واشنطن الأكبر باقتناص فرصة اتمام التسوية الاقليمية تلوح اليوم عبر ملف التسوية السياسية في سوريا. توافق الولايات المتحدة مع شروط التسوية الروسية, يعني ان التنازل الأمريكي هذا, يتطلب تنازلات سياسية تقدم على صعيد التسوية الاقليمية. ادارة اوباما الجديدة, تسعى لتسجيل اول انتصار دبلوماسي حقيقي في الشرق الأوسط و خصوصاً على صعيد القضية الفلسطينية.
بانتظار لقاء الكبار: أوباما بوتين
تتسارع الأحداث في سوريا بانتظار عقد اللقاء المرتقب بين الرئيس بوتين و الرئيس أوباما, و الذي يتوقع ان يترجم شكل الحل السياسي في سوريا الى مشروع قابل للعرض على مجلس الأمن. الطريق الى الحل تسبقه بلا شك تسارعات على عدة أصعدة. في الداخل السوري, تستشعر اطراف الصراع في الداخل السوري حجم التحولات في المواقف السياسية, لهذا من الواضح, السعي المتواصل من قبل جميع الاطراف لتحسين موقعها التفاوضي. الجيش السوري يسجل انتصارات نوعية على الأرض, خصوصاً بعد نزول وحدات من الحرس الجمهوري المتخصصة في حرب الشوارع الى ميدان المعركة. المقاتلون بدورهم, يسعون لتسجيل اي نوع من انواع الانتصارات على الأرض و بالتالي فان الفشل العسكري قد يرشح ازدياد عدد التفجيرات و المفخخات و بالتالي ارتفاع منسوب الدم طردياً مع اقتراب موعد اتمام القمة الروسية الامريكية. من الملفت للنظر أيضاً أن الاصرار الأمريكي على تجريم جبهة النصرة و اظهار خطرها على السلم العالمي, و دخول الفرنسيين في مواجهة مفتوحة مع مسلحي النصرة في مالي المتسلحين بالأسلحة الفرنسية التي أرسلها الفرنسيون الى ليبيا و سوريا على حد تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أدى الى تعزيز حالة العزلة التي يعاني منها رعاة هذا التنظيم و على رأسهم رئيس الوزراء التركي, و الذي يبدو انه ترك وحيداً يواجه تبعات سياسته العدائية على سوريا.
من ناحية أخرى التأسيس لفرض التصور الاسرائيلي للتسوية الاقليمية بدا بالظهور هو الآخر على جميع الاصعدة. عزل حزب الله هو الهدف الأهم بالنسبو للاسرائيلين. آخر محاولات انجاح سيناريو عزل حزب الله جرى التأسيس له عبر اختلاق قصة نقل الأسلحة السورية غير التقليدية الى حزب الله, و الذي يؤدي منطقياً الى تجريم حزب الله بدعوى امتلاكه لأسلحة غير تقليدية, و حتى يكتمل السيناريو الاسرائيلي كان لابد من افتعال تماس عسكري غامض, يسوق لاحقاً على انه قصف لموكب ناقل للسلاح من سوريا الى حزب الله, و بالتالي ادخال الحزب الى دائرة الاستهداف العسكري و السياسي و ربطه لاحقاً بشروط التسوية السياسية السورية. بعد ذلك, بدء الحديث عن تورط مزعوم لحزب الله في هجوم مطار بلغاريا في الصيف الماضي. لا بل ان الحديث عن وضع حزب الله على لائحة الارهاب في اوروبا بدء يتصدر اروقة الحوار الأوروبي في مفارقة مضحكة جداً, نظراً لعدم تفكير الاوروبيين بوضع جبهة النصرة الارهابية على لائحة الارهاب كما فعلت الولايات المتحدة بينما تقود فرنسا مناقشات جادة لوضع حزب الله على لائحة الارهاب. اذاً, المطلوب هو عزل حزب الله, و سحب شرعيته قبل اتمام التسوية السياسية و بالتالي التعامل معه على مبدأ الأمر الواقع بانه حزب ارهابي قد فقد شرعيته السياسية و غطاءه الاقليمي, و بالتالي تحقيق ما لم يتم تحقيقه عبر الحرب و سيناريوهات الاتهامات بسلسلة الاغتيالات السابقة. هذا الحراك قد يقود الى الاستنتاج بان اسرائيل تعمل جاهدة على تعطيل اتمام اي حل سياسي للأزمة السورية لا يشمل تحجيم حزب الله و قطع شريانات الحياة عنه.
اوباما و زيارة المنطقة
لماذا يقرر الرئيس الأمريكي زيارة المنطقة؟ المعنى السياسي الوحيد لزيارة أوباما المتوقعة للمنطقة في الربيع القادم لا يمكن أن تكون زيارة بروتوكولية, لا من حيث التوقيت او جدول اللقاءات المفترض. الزيارة من المفترض ان تتم بعد لقاء الرئيس الأمريكي بالرئيس الروسي, و بالتالي فمن الممكن أن تمثل " نصر أوباما الربيعي" و الذي يتم عبر استثمار تسهيل انجاز الحل السوري من اجل انهاء المسائل العالقة في الأقليم و انجاز الحل النهائي. في واشنطن يصر الدبلوماسيون الامريكيون -عند الحديث عن قادة الشرق الأوسط- ان الولايات المتحدة ليست معنيه بالشخوص, و ان الرئيس اوباما اكد في خطاب القسم الثاني ان ادارته ستنصت لاصوات الشعوب الساعية الى الحرية, و بالتالي فان زيارة اوباما الى المنطقة لا يمكن أن تحمل اي رسالة دعم سياسي لشخوص بل على العكس هي زيارة انهاء ملفات عالقة و شائكة, خصوصاً اذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن زائرو واشنطن يستشعرون بوضوح غياب الكيمياء الشخصي بين الرئيس الأمريكي و بين قادة المنطقة. مع ذلك سيلتقي أوباما ثلاثاً من قادة هذه المنطقة. اي نظرة تحليلية بسيطة تؤكد أن ما يجمع القادة الثلاث (محمود عباس,عبدالله الثاني, نيتنياهو) هو شيء واحد, هؤلاء هم أطراف الحل في القضية الفلسطينية. أوباما لن يكون هنا في نزهة, بل انه يقوم بزيارة تهدف الى فرض الحل النهائي, و وضع قطاره على سكة التسوية. اذاً ما هي التضحيات التي ستقدم من قبل اطراف التسوية الفلسطينية, و ما هي الشروط التي ستفرض على بعضهم خصوصاُ من قدمت لهم واشنطن خدمات مجانية مؤخراً تمثلت بتخفيف الضغوط السياسية و تجنب الانتقادات اللاذعة لطريقة ادارة عملية الاصلاح السياسي و مخرجاتها.