الأردنيّون جميعاً يريدونها ثورة بيضاء بمعنى الكلمة، فهم يريدون العبور نحو مرحلة جديدة تنقلهم جميعاً نحو تغيير كبير وإصلاح جذري وجوهري، يطال منهجية إدارة الدولة، وطريقة تشكيل الحكومات، ويطال السياسات والأساليب، كما يطال الاستراتيجيات والرؤية والرسالة، ولن يتمّ ذلك إلاّ بتغيير النخب والوجوه التي استأثرت بإدارة المشهد خلال المراحل السابقة، والتي تتحمّل المسؤولية فيما آلت إليه الأمور، ولكن بطريقة سلميّة حضاريّة توافقيّة، دون استعمال لغة الدم، ودون اللجوء إلى العنف، ودون الذهاب بالبلد نحو الفوضى والانفلات.
إذا كانت الثورة البيضاء بهذه المضامين محلاً للاتفاق بين جميع الأطراف السياسية الفاعلة، وتحظى بإجماع كلّ مكونات المجتمع الأردني، باستثناء القلّة القليلة الغارقة في وحل الفساد والفئة القليلة التي تعيش الوضع الاستثنائي الخارج عن أعراف العدالة والنزاهة والشفافية، فهذا يعني بكلّ تأكيد إمكانية إنجاح الثورة البيضاء عن طريق إنشاء تحالف كبير شامل وواسع يشمل كل ما يختزنه المجتمع الأردني من كفاءات وطنية مخلصة، وطاقات مجتمعية هائلة، قادرة على المضيّ قدماً في البناء والتنمية والإعمار.
"الثورة البيضاء" ينبغي أن تكون شعاراً ومنهجاً للحكومة القادمة بكلّ عزم وصدق، ونيّة مخلصة وعقيدة راسخة لا تقبل المساومة، ويبدأ ذلك من اختيار رئيس استثنائي للحكومة، قادر على ترجمة هذا الشعار إلى واقع ملتهب، يشعل عقول الشعب الأردني ووجدانه وقادر على إنجاز عملية إصلاحية تشاركية تجعل من الشعب الأردني "خليّة نحل"، تواصل الليل بالنهار من أجل استدراك ما ضاع من وقتٍ وجهد وموارد.
الثورة البيضاء يجب أن تبدأ خطواتها الأولى في التربية والتعليم والمناهج من أجل الشروع في بناء جيلٍ جديد يحمل عبء هذه الثورة وتشرب مضامينها ويعيش همّ الوطن برجولة وكفاءة وبمنهج علمي حديث، ويجب أن تعمد الثورة إلى صهر طلاب الجامعات في بوتقة العمل الوطني، وتحويل الجامعات إلى مراكز إشعاع حضاري وبيئة إبداع وابتكار وبحث وإنجاز.
الثورة البيضاء يجب أن تقضي على شأفة الفساد بلا رحمة، وتمضي في تطهير المؤسسات من الترهل والعجز والمحسوبية والشللية وتعيد الثقة إلى المواطن الأردني بدولته ومؤسساتها وأجهزتها الإدارية القادرة على تقديم الخدمة بكفاءة وعدالة وانتماء وطني حقيقي.
الثورة البيضاء تعني بكلّ تأكيد تقديم الرجال الأمناء الأكفياء الأقوياء، الذين يجيدون لغة العمل، وتقديم البدائل، ويحملون الهمّ الوطني والانتماء الحقيقي الذي يتجلّى بالخدمة والتفاني في العمل، بعيداً عن لغة التزلف والنفاق والمديح "ومسح الجوخ".
الثورة البيضاء ثورة ثقافية بدءاً وانتهاءً ومساراً ومضموناً، فنحن بحاجة إلى ثقافة جديدة وأصيلة، تجمع بين الحريّة والمسؤولية، وبين العزّة والتواضع، وبين الرحمة والقوة، وبين الإنجاز والإتقان، وبين النظافة والايمان، وبين الوطنية والدين، وبين الذوق الرفيع والخلق العظيم، وبين احترام الذات واحترام الآخرين، وتجمع بين الحرص على الوقت والحرص على المال العام.
لا سبيل إلى الثورة البيضاء ولا سبيل إلى التقدم خطوة واحدة، عندما يتصدر المشهد من يقدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامّة، ومن يحب ذاته أكثر من وطنه وأمّته، ومن تمتد يده إلى المال العام، ومن يرى الوطن بقرة حلوباً، والوظيفة العامّة أداةً لملء الجيوب وإشباعاً لنهم حبّ الزعامة وعشق الأضواء.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم