الفصل بالطعون الانتخابية الاختبار الأصعب أمام القضاء
د. محمد الخلايلة
13-02-2013 04:05 AM
* إن الأهم من التعديلات الدستورية هو باعتقادنا مدى تفعيلها على أرض الواقع حتى لا نكون أمام لعبة تغيير المسميات مع بقاء المضمون والجوهر على حالة..
* لقد قصر المشرع الأردني في إيراد أحكام تشريعية خاصة بالفصل في الطعون الانتخابية واكتفى بتطبيق المبادئ العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية مع أن لهذه الطعون طبيعتها الخاصة..
عمون - كتب الدكتور محمد الخلايلة - أصبح القضاء الأردني – وتحديدا محاكم الاستئناف – ومنذ نشر التعديلات الدستورية في الجريدة الرسمية هو الجهة المختصة بالفصل في الطعون المتعلقه بصحة نيابة أعضاء مجلس النواب بعد أن كان المجلس ذاته يمارس هذا الاختصاص ولسنوات طويلة. فوفقا للمادة 71 من الدستور أصبح "من حق كل ناخب أن يقدم طعناً إلى محكمة الاستئناف التابعة لها الدائرة الانتخابية للنائب المطعون بصحة نيابته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ نشر نتائج الانتخابات في الجريدة الرسمية" ... ولم يعد مجلس النواب يملك وفقا للنهج الجديد أكثر من "الإعلان عن بطلان نيابة النائب الذي أبطلت المحكمة نيابته واسم النائب الفائز بدلا منه اعتباراً من تاريخ صدور الحكم".
ويعد هذا النهج بحق نهجا محمودا بالنظر إلى نزاهة القضاء وحيدته ولأنه لا يجوز أن يبقى مجلس النواب الخصم والحكم في ذات الوقت، وقد سبقنا إلى هذا النهج العديد من الدول مثل الكويت التي أصبحت فيها المحكمة الدستورية ومنذ نشأتها عام 1973 هي المختصة بهذا الأمر بدلا من مجلس الأمة ذاته، كما أن دستور مصر الجديد الذي تم الاستفتاء عليه مؤخرا أعطى هذا الاختصاص - بموجب المادة 87 منه - لمحكمة النقض بعد أن كان دستور عام 1971 ينيط هذا الاختصاص بمجلس الشعب ذاته ويقصر دور محكمة النقض على مجرد التحقيق في الطعن قبل إحالة الأمر إلى مجلس الشعب.
فنحن متفقون إذا ومن حيث المبدأ على أن هذا النهج الجديد نهجا محمودا وتطورا دستوريا لا ينكر أهميته إلا جاحد، ولكن الأهم من التعديلات الدستورية هو باعتقادنا مدى تفعيلها على أرض الواقع حتى لا نمارس لعبة تغيير المسميات الدستورية مع بقاء المضمون والجوهر على حالة. نحن نثق تماما بالقضاء الأردني وبنزاهته وباستقلاله وليس في ما نقوله اليوم تدخلا في عمله وفي الأحكام التي ستصدر عنه، ولكن من حقنا أن نتساءل عن هذه التجربة "الجديدة" وعن ملامحها في ضوء ما تناقلته وسائل الإعلام من تقديم مجموعة كبيرة من الطعون بصحة الانتخابات النيابية لغاية نهاية دوام هذا اليوم الثلاثاء والتي كان آخرها الطعن بنتيجة الانتخاب في لواء فقوع في محافظة الكرك، وفي ضوء الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان وهي أن الجميع داخل الوطن وربما خارجه ينتظرون كيف سيتم الفصل في هذه الطعون باعتبارها طعونا جديدة على القضاء الأردني، إذا ما استثنينا الطعن بالانتخابات التكميلية للواء عي في المجلس السابق حيث تم رد الدعوى يومها دون الدخول في الموضوع على أثر تصالح الخصوم فيها؟
من حقنا أن نتساءل عن الإجراءات التي سيتم إتباعها أثناء سير الدعوى، هل هي الإجراءات العادية الواردة في قانون المرافعات أم أن الطبيعة الخاصة لهذه الطعون يحتاج إلى إجراءات من نوع خاص؟ هل يعقل أن تكون أن تكون المحاكمة تدقيقا– كما صرح بذلك مدير الدائرة القانونية في الهيئة المستقلة السيد محمد القطاونة – خلافا لأصول التقاضي التي استقرت على أن هذه الطريقة (المحاكمة تدقيقا وليس مرافعة) هي طريقة استثنائية ولا يمكن إتباعها إلا بالاستناد إلى نص صريح بحثنا عنه ولم نجده لا في قانون الانتخاب ولا في قانون الأصول المدنية؟ هل يستطيع المدعي أن يثبت دعواه بكافة وسائل الإثبات كما هو الحال في الدعاوى الإدارية أم أنه مقيد بوسائل إثبات الدعوى العادية والمحددة حصرا في المادة الثانية من قانون البينات؟ هل يمكن للمحكمة أن تفصل في الدعوى دون سماع الشهود، وهل الوقت المتاح أمامها من الناحية الدستورية (ثلاثون يوما) يكفي أصلا لسماع هؤلاء الشهود ومناقشتهم، وهل يمكن الاستماع لشهادة رؤساء وأعضاء لجان الاقتراع والفرز وهم الأقرب إلى الحدث ونحن نعلن أن الخصومة موجهة بالمقام الأول للهيئة المستقلة للانتخابات التي كانوا يعملون في إطارها ؟ هل سيعاد الفرز – إذا رأت المحكمة ذلك ضروريا - من قبل هؤلاء الموظفين أم من خبراء محايدين؟ وماذا لو أثار وكيل المدعي دفعا بعدم دستورية قانون الانتخاب أو أي نظام صادر استنادا له، ألا يلزم ذلك محكمة الاستئناف إذا اقتنعت بالدفع أن تحيل الأمر إلى محكمة التمييز المجبرة بدورها - وفقا للمادة 60 من الدستور– على إحالته إلى المحكمة الدستورية متى رأت فيه جدية كافية؟ وهل الوقت المحدد للفصل في الطعون – مرة أخرى – يسمح بذلك؟
يجب أن نعترف بأن الصورة ليست واضحة وذلك كله بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للطعن بنتائج الانتخابات النيابية، فهذا الطعن يختلف في طبيعته ومضمونة ووسائل إثباته وحتى في حجية الحكم الذي سيصدر فيه عن الطعون الأخرى التي تتعامل معها محاكم الاستئناف بما فيها تلك الطعون التي تنظرها كمحكمة أول درجة (مثل دعوى إبطال حكم التحكيم)، ويجب أن نعترف أيضا بأن المشرع الأردني قد قصر من حيث عدم إيراده أحكاما تشريعية خاصة للتعامل مع هذه الطعون – باستثناء النص على لزوم تقديم الطعن من خلال محامي ولزوم الفصل فيه خلال ثلاثون يوما من تاريخ تسجيله – ويجب أن نعترف أنه لا يكفي الركون في هذا السياق إلى المبادئ العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية، فالوضع لدينا يختلف عنه في العديد من الأنظمة القانونية المقارنة التي تنبهت لهذا الأمر كما هو الحال في الكويت - على سبيل المثال – التي تضمن قانون المحكمة الدستورية فيها رقم 14 لسنة 1973 وبالتفصيل إجراءات التعامل مع الطعون الانتخابية وآلية الفصل فيها.
نحن اليوم أمام تجربة جديدة بحق وكان الله بعون السادة القضاة على التعامل معها، فليس هنالك من سوابق قضائية في هذا المجال يمكن الركون إليها والقياس عليها، وليس هنالك أحكاما تشريعية خاصة بهذا النوع من الطعون مما سيضطر محاكم الاستئناف باعتقادنا إلى تطبيق المبادئ العامة التي قد لا تتناسب مع طبيعة هذا النوع من الطعون. كان الله في عون السادة القضاة بالنظر أيضا إلى أهمية وحساسية الأحكام التي ستصدر عنهم في هذا السياق من الناحية السياسية والاجتماعية خاصة وأن المراقبين من داخل الأردن وخارجه ينظرون بتمعن لهذه الأحكام وما إذا كانت تتضمن تفعيلا حقيقيا للتعديلات الدستورية الأخيرة. ومما يزيد من العبء والإحساس بأقصى درجات المسؤولية على السادة القضاة أن المشرع الدستوري – وربما اختصارا للوقت وضمانا لاستقرار المراكز القانونية في أمد قصير- جعل الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف في هذا السياق أحكاما نهائية لا مجال للطعن فيها أمام محكمة التمييز الموقرة.
إننا نعتقد في الختام أنه كان يتوجب إسناد هذا الاختصاص إلى محكمة العدل العليا وليس إلى محاكم الاستئناف التي نجلها ونحترمها وذلك بالنظر إلى طبيعة الطعون الانتخابية التي تحكمها غالبا تشريعات ومبادئ القانون العام، ولأن القضاء الإداري – وبخاصة إذا ما تم تعزيزه بقضاة متخصصون في المستقبل القريب وتنظيمه على درجتين انسجاما مع التعديل الذي طرأ على المادة 100 من الدستور – هو الأقدر على التعامل مع هذه الطعون، بالإضافة إلى أن قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لسنة 1992 يتضمن إجراءات خاصة وجدت لتناسب الطعون التي تفصل فيها هذه المحكمة ومن بينها الطعون الانتخابية على اختلاف أنواعها، وإلى جانب ذلك كله فإن إسناد هذا الاختصاص إلى محكمة العدل العليا من شأنه أن يوحد من الاجتهادات القضائية في هذا المجال وأن يخلق بمرور الوقت مبادئ وأعراف يمكن الرجوع إليها كلما اقتضت الحاجة ذلك.
المحامي الدكتور محمد الخلايلة
أستاذ القانون العام بكلية الحقوق – جامعة مؤتة