التصحيح الموازي المطلوب* د.فيصل غرايبه
12-02-2013 04:58 PM
ما يزال الحديث عن الإصلاح مستمرا في مختلف المجتمعات العربية. وهو قد نحى في بعض الأماكن والأوقات منحى الحدة إلى حد العنف، وتصاعدت حدته إلى حد المطالبة بتغيير نظام سياسي ورحيل رموزه أو رئيسه،كمتطلب مسبق للإصلاح، أما في مجتمعنا الأردني فان الموضوع قد اختلف،فقد صار الاتفاق بين الوتيرة الرسمية والوتيرة الشعبية ملحوظا، وإن اختلفت درجة الثقة بالنوايا الرسمية بتحقيق الإصلاح وبالاندفاعة الشعبية نحوه، ولم تصل إلى حد العنف أو الاعتصام شديد التواصل. كان لهذه الحالة إرهاصات متراكمة بدأت من ارتفاع تكاليف المعيشة ثم البحث عن عمل ذي دخل ثم عن حرية التعبير فضرورة المشاركة، واجتمعت فيها تناقضات ضرورات الحياة، من الجهتين الرسمية،مثل: التصحيح الاقتصادي/ عدم رفع الدعم، رفع الضرائب/ خفض تكاليف المعيشة، ضعف موارد الدولة/ زيادة الرواتب، مساعدة الفقراء/ ارتفاع خط الفقر، الشفافية/الفساد، المصداقية/ الانكشاف، العدالة/ المحسوبية، الحرية/ الانفلات.
فها هو التصحيح الاقتصادي ، مثلا يشكل تحديا مثلما يسبب تخوفا ليس عند الحكومات فحسب وإنما عند الشعوب أيضا، فبموجب هذا التصحيح العمل وفقا لنصائح البنك الدولي للتخفيض التدريجي من مديونيتها، وذلك برفع الدعم للسلع الاستهلاكية، و ما يتبعه من ارتفاع بالأسعار ، بما لا يتحمله المواطنون من ذوي الدخل المحدود.ان هذا التصحيح في الركن الاقتصادي يحتاج إلى تصحيح مواز له في الركن الاجتماعي، والذي يضمن لنا أن نعيد ترتيب الاتجاهات وتنظيم علاقات المواطنة والتالف الإنساني، بشكل يهيئ المجتمع لمتطلبات التحديث، في إطار الحركة العالمية للمجتمع الإنساني .
إذ أن التصحيح الاجتماعي يشكل مطلبا شعبيا يحقق الرضا العام عن إجراءات التصحيح الاقتصادي، وتقليل ما ينجم عنها من تضييق على عيش المواطن ومضايقة لحياة الأسرة حيث تحرم من تلبية معظم متطلبات أبنائها، وتضطر إلى الاقتصار على شراء اللازم، وصرف النظر عن شراء ما عداها من مستلزمات العيش والحركة داخل المجتمع.كما أن التصحيح الاجتماعي يشكل ضمانة لتوفير أسباب الوئام الاجتماعي، حيث يرى المحرومون أمامهم الكثير من التصرفات الاستهلاكية والمظهرية والتفاخرية من قبل الأغنياء، وحيث أن الغلاء يزداد والحرمان يزداد ، تبعا لارتفاع الأسعار فضلا عن ازدياد حجم البطالة ، وضيق فرص العمل فان الطبقة المحرومة ستزداد حجما، على حساب حجم الطبقة الوسطى، في حين أن الأغنياء لا يزالون صامدين لمقابلة الاحتياجات الكمالية والمظهرية، ومن هنا تنشأ حالة التذمر والضيق، اضافة الى أنه لا يوجد ما يلزم من أن يعين الأغنياء الفقراء، أو يتخلوا لهم عن جزء من ثروتهم، إلا من قبيل الزكاة أو الصدقة أو الإحسان، وهذه أمور تبقى نابعة من نفس الإنسان ومبادرته الذاتية .
فماذا يجب أن نفعله حتى نوفر شروط الأمن والاطمئنان في نفس المواطن، ليضمن قوت يومه وأسباب عيشه هو وعائلته، تقع الإجابة كما أراها في الآفاق التالية :
(1) ترسيخ القناعة بان الحجم الصغير للأسرة، يزيد من إمكانية الأسرة على تلبية متطلبات الحياة، وأن المعتقدات والثقافة لا تتعارضان مع هذا التوجه، باعتباره يسعى إلى حد أفضل من الكرامة بالعيش.
(2) ضمان وصول الدعم الحكومي على السلع الاستهلاكية الأساسية لمستحقيه، وضمان وصول الإعانات والمساعدات لمستحقيها أيضا، وتقديم أساليب التأهيل والتنمية الذاتية على أساليب الأخذ بدون تقديم الجهد.
(3) ضمان تحصيل مختلف المستحقات المادية تجاه مختلف أجهزة الدولة تبعا للدخل أو حجم الاستهلاك، بما فيها الزكاة على الأموال.
(4) توجيه الأيدي العاطلة عن العمل إلى أنماط العمل التي اعتاد العامل الأردني العزوف عنها،وخلق الظروف التي تدفعه إلى طرق مختلف أبواب العمل، ودفع الفئات قليلة الكفاءة وشديدة الحاجة إلى القيام بأعمال خدمية وإنتاجية، بدل الاعتماد على العون والمساعدة.
(5) الحد من استغلال الفرص غير المشروعة أو غير الرشيدة، للاستفادة الشخصية من المال العام أو إهداره وبعثرته، وتقليل الامتيازات وفرص التمتع بالإمكانيات الرسمية للأغراض الشخصية.
(6) إرساء اتجاهات مجتمعيه عامة نحو ترشيد الاستهلاك ومحاربة الاستهلاك التفاخري والكمالي والبذخي والمظهري، وتوجيه الأموال التي تقدم بالمناسبات العامة والعائلية لأوجه المنفعة العامة.
(7) اتخاذ الإجراءات الجبائية العامة على الاقتناء الرفاهي الإضافي للأساليب الكمالية والأدوات غير الضرورية.
(8) التطبيق الفعلي لمقولة وضع الشخص المناسب للمسؤولية المناسبة في العمل العام، بحيث يكون من الصعوبة بمكان التأثير الشخصي تبعا للمحسوبية، المبنية على القربى والمصاهرة والجوار والعشائرية والفئوية، والحد من تأثير الصالونات والعلاقات الاجتماعية، في تحقيق مكاسب من خلال العمل العام، تتجاوز الاعتبارات الموضوعية في الحصول على تلك المكاسب.
(9) وضع تناسب معقول بين المرتبات والأجور في القطاعين العام والخاص،وعدم الإبقاء على الأرقام المرتفعة لرواتب كبار المديرين بالقطاع الخاص، حتى ولو كانت نظريا لا تمس بمصالح الآخرين خارج حدود الشركة أو المؤسسة أو البنك، وكذلك إعادة نظر باحتساب التقاعد ومكافأة نهاية الخدمة لكبار المسؤولين في المؤسسات الكبرى.
(10) إيجاد صيغة حقيقة لمناسبة التعليم لمتطلبات سوق العمل، بحيث لا يبقى التعليم الجامعي منه خاصة، تحت تأثير الأهواء العائلية والمظاهر الاجتماعية، وكذلك لا يفاجأ الخريج الذي اختار ما يناسب سوق العمل، أن المتغيرات المفاجئة قد أفقدته قيمة تخصصه المهنية بعد التخريج.
أما فيما يخص الركن السياسي، فان ثمة خطوات ينبغي أن تتخذ، أقترح منها ما يلي:
أ- الشروع جديا بتطبيق اللامركزية. وفي نفس الوقت تأكيد مبدأ انتخاب المجالس البلدية في مختلف مدن وبلدات المملكة، بما فيها أمانة العاصمة، وبعد تقليص نطاق عمان الكبرى، التي تنفي مبدأ اللامركزية في وضعها التنظيمي الحالي.
ب- التخلي بالتدريج عن إدارة الحكومة للمؤسسات الاجتماعية والشبابية والرياضية والثقافية والإعلامية،ووقوفها عند حدود الدعم المادي والمعنوي والتشجيع على تأسيسها وانتشارها بمبادرات أهلية محلية.
ت- العمل على إلغاء مفهوم " الأقل حظا" من الناحية الواقعية في المناطق أو المدارس، بما يسمح بالتالي بإلغاء الاستثناءات في مواقع التنافس الحر الشريف.
ث- تهيئة الظروف لإلغاء نظام المحاصصة في المجالس النيابية كالنسوية والعرقية والطائفية، ويفتح المجال لانتخاب الأفضل بغض النظر عن هذه الاعتبارات، وأن ينسحب ذلك على تشكيل أية مجالس أو هيئات وطنية أخرى.
أن عدم الاهتمام أو الخوض في هذا المضمار الذي تمثل بمثل هذه المقترحات، الذي يبقي المجتمع يواجه مظاهر للخلل الاجتماعي كالفقر والبطالة والتمرد والإحجام عن المشاركة وعدم الشعور بالمسؤولية والإجرام والانسحاب من المجتمع على شكل إدمان وتعاط واستهتار أو ممارسة السرقة والرشوة والاختلاس والاعتداء والنقمة والسخط.لماذا لا نقوم كمواطنين ومنتجين ومسؤولين في كل مستوى بإجراءات التصحيح الاجتماعي، حتى نضمن أن هناك حبلا من المودة يربط بين أبناء المجتمع الواحد، وأن هناك مصلحة عامة نحرص عليها جميعا؟ إن الأردنيون جميعا بموجب الدستور وحتمية التاريخ ومقتضيات الثقافة، شركاء في الإنماء والانتماء إلى هذا البلد، ولا يجوز لأحد دون الآخر أن يأخذ مكسبا دون المغرم .ومن واجبنا في هذا البلد أن نبني صرح العدالة الاجتماعية على القاعدة الديمقراطية، ليقوى الأردن بنا ونقوى بالأردن،
dfaisal77@hotmail.com