يمكن وصف ما وجّه له الملك في خطاب العرش أول من أمس، بأنه "ثورة بيضاء" على النظام السياسي القائم، وتأسيس لمرحلة جديدة من التحول الديمقراطي؛ لرسم مشهدين سياسي واقتصادي جديدين.
الطريق التي رُسمت تحدد خطوات بعينها لكيفية عمل الحكومة والنواب خلال الفترة المقبلة، وسبل تعاونهما مع جميع الأردنيين بدون استثناء، وتحديد أولويات المجتمع والعمل وفقا لها.
العامل الحاسم في نجاح المرحلة المقبلة يتمثل في التزام السلطتين التنفيذية والتشريعية بجدول الأعمال الذي حدده الخطاب الملكي، والابتعاد عن الشخصنة والأجندات الخاصة، بحيث يكون الهدف استعادة الثقة بهاتين السلطتين، والتي فُقدت نتيجة سنوات من إهمال تطلعات الناس، والتركيز على المكتسبات الفردية.
فجملة التشريعات المطلوب إعدادها وإقرارها ستمس حياة الجميع وتؤثر فيها، بدءا من قانون الانتخاب التوافقي، مرورا بقانون الضريبة الذي يحقق العدالة ويعيد توزيع مكتسبات التنمية، كما قانون الضمان الاجتماعي الذي يحقق الأمن المجتمعي والوظيفي، وليس انتهاء بقانون الكسب غير المشروع الذي ظل محتجزا في أدراج السلطتين لعقود طويلة، رغم دوره في وضع حد للتطاول على المال العام ومحاربة الفساد في القطاعين العام والخاص.
الثورة الملكية تقوم على الارتقاء بالأداء ضمن خطة زمنية بأهداف محددة، لا تشبه أبدا تلك التي أقرت في عهد حكومة سابقة، وضمت سبعة أهداف لم يتحقق منها شيء، ولم يلمس المواطن نتائجها، سوى بنشر أرقام ومؤشرات ظلت تمطرنا بها تلك الحكومة حول نسب تحقيق الأهداف!
التقاط الرسالة الملكية والعمل على تحقيقها يشكلان مهمة السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلا تركنان أو تهملان الهدف، نظرا لخطورة المرحلة الراهنة التي تمر فيها البلاد، والحساسية المفرطة التي تعيشها.
وعلى الحكومة والنواب إدراك أن البلد بحاجة إلى قصة نجاح، وتغيير جوهري في المشهد؛ فنتائج عملهم لم تعد تنعكس عليهم فقط، بل على الدولة ومؤسساتها جميعا.
الملك قال إنه عاقد العزم على الاستمرار في الإصلاح والتحديث. والتنفيذ والنجاح مرهونان بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، وبتعاون مراكز صنع القرار المختلفة، لجعل الأجندة واقعا. وهو الأمر الذي يقدر على إحداث فرق في المزاج العام، وتغيير آليات إدارة الشأن العام سياسيا واقتصاديا.
تطبيق الخطة سيساعد الحكومة المقبلة والنواب على البقاء في مواقعهم مدة أربع سنوات. وهذه الخطوة كفيلة بمعالجة تشوه كبير طالما اشتكينا منه، واعتبر سببا لضعف الإنجاز، وهو المتمثل في قصر عمر الحكومات، وكثرة "التوزير".
البقاء أربع سنوات ليس مسألة محسومة، بل هي مشروطة؛ إذ يرتبط الاستقرار الحكومي بنيل ثقة النواب، فيما يعتمد الاستقرار النيابي على حصول المجلس على ثقة الشعب. والمهمتان مترابطتان بشكل وثيق، وأساس نجاحهما معتمد على طبيعة العلاقة بين الحكومة والنواب، وتنافس الطرفين على خدمة الصالح العام.
تتوفر اليوم فرصة لبداية جديدة، تمكّن من البناء على ما تم في الماضي، وتجاوز الأخطاء التي وقعت. وعلى مجلس النواب مسؤولية كبيرة في التوصل إلى توافق وطني حيال مختلف القضايا الخلافية، تبدأ من الحوار الصريح، القائم على كشف كل الأوراق والنقاش حولها، بحيث يؤمن الجميع، بمن فيهم المعارضة، بأن ثمة نوايا مختلفة.
رغم أجواء التشكيك وضعف الثقة، فإن الحكم على أداء السلطات يبقى مؤجلا إلى حين بدء العمل الجدي، واختبار مدى قدرة الحكومة والنواب على اجتياز اختبار الثقة. والنتيجة تعتمد أكثر على النواب؛ فهم سلطة التشريع والرقابة التي غابت أو غُيّبت في سنوات مضت.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد