أقل من عام ويغادرالبروفيسور أكمل الدين إحسان اوغلو موقعه كأمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي، وسيخلفه وزيرالاعلام السعودي السابق اياد مدني، وفقا لما تم الإعلان عنه في القمة الاسلامية في القاهرة قبل ايام.
منظمة التعاون الاسلامي كان اسمها منظمة المؤتمر الاسلامي، وهي منظمة تأسست عام تسعة وستين إثر الحريق الذي شب في المسجد الاقصى، وتضم المنظمة سبعا وخمسين دولة اسلامية، ومقرها مدينة جدة.
عرفت أوغلو اول مرة خلال القمة العربية في الدوحة، وإذ التقيته هناك في جناح اقامته لأحاوره، بقيت علاقتي به متواصلة، وكنت كل ستة اشهراسافر الى جدة خصيصا لالتقيه في مقر المنظمة، ومرات في بيته، وهو شخصية بارزة في العالم الاسلامي، لا تغيب بمجرد خروجها من موقعها بعد عام، بل لعل السؤال يتعلق بالذي سيفعله الرجل بعد عام من اليوم.
اوغلوالذي تولى الامانة العامة للمنظمة منذ العام 2005 ينتمي اساسا الى مدينة اسطنبول التركية، وولد في القاهرة، وتعلم فيها، وهو يتحدث العربية بطلاقة غريبة، مع لكنة مصرية، تسمعها بين كلمة واخرى، وتأثره بمصر بالغ، حتى ان له مؤلفات بالعربية حول مصر.
ذات مرة وفي مكتبه، كان يسألني عن قضايا كثيرة، واذ وصل الحديث عن القدس، حدثته بمرارة عن اوضاع المقدسيين والغرامات المالية على بيوتهم، وقد سألته يومها عن الثراء الاسلامي، وتلك المليارات، التي لايتم دفع قرش منها للمقدسيين، من اجل دفع غرامات بيوتهم حتى لا يتم هدمها، ومن اجل سداد الضرائب الاسرائيلية على التجار المقدسيين، بدلا من خراب بيوتهم.
يومها اشتدت حمرة وجه الرجل احراجاً وغضباً، ووضع رأسه بين يديه من شدة الضيق، امام مشهد خذلان العرب والمسلمين للقدس واهلها، واقنعته يومها ان على المنظمة ان تطلق مبادرة من اجل حماية المقدسيين، وان المنظمة مظلة مناسبة لهكذا مبادرة.
اتحدث عن أوغلو لأنه شخصية سياسية مهمة في العالمين العربي والاسلامي، فهو التركي الذي يقود عملا سياسيا اسلاميا وعربيا، ويواجه ايضا تعقيدات كثيرة في علاقات الدول العربية والاسلامية مع بعضها البعض، في ظل الصراعات القائمة سرا وعلنا، وبرغم ان علاقاته مفتوحة مع كل زعماء العرب والمسلمين، الا ان تعقيدات العمل الاسلامي تبقى غالبة.
الرجل لديه رغبة كبيرة جدا بأن ينجح العمل الاسلامي، غير ان مشكلة المسلمين مع منظمة التعاون الاسلامي، هي مشكلة العرب ذاتها مع جامعة الدول العربية، فالكل يجتمع ويتشاور، والكل عند التنفيذ يتهرب ويتوارى، وينفض الجمع والسامر كما كل مرة.
له اسهامات كثيرة على صعيد القضية الفلسطينية، والقدس وغزة، وله مبادرة مهمة تتعلق بـ(الاسلام فوبيا)بالاضافة الى موقف المنظمة المهم في فترته من النزاعات والاعتداء على الاقليات الاسلامية، وكل الملفات الاسلامية من البوسنة والهرسك وصولا الى افريقيا.
اقل من عام ويغادراوغلو موقعه، وقد كان مرشحا في فترات لرئاسة الجمهورية التركية، وهو بعيدا عن المواقع يبقى شخصية لافتة للانتباه في المجتمع الدولي بخاصة ان منظمة التعاون الاسلامي تأتي مباشرة بعد الامم المتحدة في حجمها الدولي.
الرجل ايضا بكل ارث تركيا في العالم العربي، يمثل دلالة خاصة، فهو سياسي من اسطنبول، لكنه عربي القلب، مصري اللسان، اسلامي الوجه بكل هذا الاعتدال والعصرنة واحترام الموروث الاسلامي.
سياسي من اسطنبول، لا تنسى بصماته على ملفات العرب والمسلمين.
maher@addustour.com.jo
الدستور