أن تتعلق قلوب الناس بالله جل في علاه خير من الدنيا وما فيها وبكل مغانمها المادية والمعنوية على حد سواء ,فهذا الكون كله الى زوال وما عند الله خير وابقى الا في ذهنية الغافلين اللاهين والضالين الذين تنتهي حدود عقولهم واهتمامهم عند الدنيا وما فيها من مغريات ,فتراهم يتزاحمون ويتناحرون وتسود بينهم منهجية الاقصاء والاحلال والنفاق وما يسمى "دق الاسافين" وبالذات بحق الطيبين والانقياء الذين لم يكتب لهم اجادة فنون النفاق والتزلف والرياء ,ولا حول ولا قوة الا بالله .
صحيح ان الكون واسع جدا وآخذ في الاتساع تباعا مصداقا لقوله تعالى "وانا لموسوعون" , ولكن احلام "الرجال" تضيق الى الحد الذي لا يرى السواد الاعظم منهم فيه مكانا يتسع لوجودهم ونفوذهم ومعاناتهم بوجود سواهم من خلق الله ,ومن هنا يجهدون في مقاربة الشر لا الخير ,والباطل لا الحق,والزيف لا الحقيقة ,ويبالغون في ارتداء الاقنعة من اجل بلوغ غاياتهم , وعلى نحو يثير حتى الشفقة على اولئك الذين اعمتهم الدنيا وبريقها تماما عن تقوى الله او حتى تجريب مقاربة الخلق الحسن وبراءة الوجدان والضمير والنية !.
نقول هذا ونحن نرى العجب العجاب مما يجري في سائر بلاد العرب والمسلمين ونحن جزء منها , بين الافراد والجماعات وحتى الدول ,من هروب للقيم الجليلة في هذا الوجود وقد جسدتها السماء في كل الرسالات العظيمة ,واحلال لقيم ليست بقيم وممارسات شاذة لا يقر بها دين او عرف او مبدأ ,فالاقتتال على السلطة والثروة وعلى طريقة "داحس والغبراء "يأخذ مداه الابعد في اكثر من بلد عربي واسلامي , والتناحر الخفي والعلني داخل االقطر الواحد على ذات الهدف هو اما ظاهر للعلن او هو نادر تحت الرماد ,والعالم ذو النفوذ والمطامح يرقب ويدير المشهد وفقا لما يحقق طموحه ومصالحة مستفيدا من نقمة الشعوب وانقساماتها وتباين الآراء والاجتهادات بين ما يسمى بالنخب السياسية فيها .
عندما يكتب لاحدنا ان يزور بلاد الغرب او ان يعيش لفترة فيها ,يجد نفسه امام تساؤل عظيم عن مدى احترام القيم العظيمة التي جاءت بها الاديان السماوية في بلادنا وتلك البلاد ,ويقف امام حقيقة ساطعة مضمونها ان الاقتراب من الصدق والحرية والاخلاص في العمل واحترام الآراء والحقوق والمواعيد وكرامة الانسان والمساواة بين الناس, والبعد في المقابل عن النفاق والرياء والاقصاء والاحلال والتناحر على المغانم وسواها من انماط السلوك السوي هي ما يحكم حياة الشعوب في تلك البلاد الغربية ,وهي جميعها المبادئ الاساسية التي نادت بها الاديان , والاسلام العظيم تحديدا ,بينما يتمنى كل عاقل سوي لو ان الحياة في بلادنا نحن العرب والمسلمين تقارب هذا الواقع الذي يوفر للفرد حياة كريمة يتمناها كل انسان ,على قاعدة ان العمر لا يتكرر وان الحياة الدنيا الى زوال , وان من حقنا ان نعيش بأمان وعدل وحرية وسلامة واستقرار دون ان يفسد بعضنا حياة بعضنا لمجرد ان ذلك يريحه لبعض الوقت , وهي بالضرورة راحة زائفة وكاذبة تماما! .
باختصار, نحن بأمس الحاجة لان نتعلم "كيف نعيش" , والا فان اعمارنا ولسوء الحظ تذهب سدى ,فلا نحن نظفر برضى الله سبحانه ,ولا نحن نحيا حياة سعيدة ,ولو سألنا عن المبرر والسبب لكانت الاجابة لا شيء سوى اننا ابتعدنا عن تقوى الله اولا ,ففهمنا الدين نظريا وحسب,وابتعدنا عنه سلوكا وتعاملا ونمط حياة , وثانيا لأننا لا نعرف حتى الآن كيف نعيش حياة طيبة ,وليس ذلك بالامر العسير لو عاش كل منا حياته دون ان يخصصها كلها او جلها من اجل افساد حياة الآخرين .......ولا حول ولا قوة الا بالله,وهو من وراء القصد.