توقع كثيرون بعد الانتخابات - رغم ما شابها لاسيما في مرحلة الفرز- أن تقفز الدولة إلى مرحلة جديدة من الإصلاح والتغيير، لاسيما أن نداءات كثيرة وجهت للحراك والمطالبين بالإصلاح بضرورة أن يتم ذلك تحت قبة البرلمان بدلا من الشارع.
لكن هل كانت مخرجات الانتخابات قادرة على صنع هذا التغيير المنشود؟!
المقاطعون الذين لم يسجلوا للانتخابات أو الذين سجلوا ولم ينتخبوا، او الذين أساءوا الاختيار فقرا وعوزا، أو إحباطا، أو التزاما بإجماع العشيرة أو القائمة... لا يرون في المجلس السابع عشر مجلسا قادرا على صنع التغيير الذي يأمله المجتمع، فقد جُرّب أكثر من ثلثهم في مجالس سابقة، وعدد منهم متهم بالفساد وشراء الذمم حتى قبل أن يجلس على كرسي البرلمان، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟!
لكن المبالغة في وصف المجلس الجديد بالسلبية لن يفيد الوطن في شيء، بل على العكس من ذلك يمكن أن يلحق الضرر به أكثر، فما في المجلس من خبرات، ووجوه خيّرة مع الرغبة في تحقيق النجاح، وتضافر جميع الجهود يمكن أن يؤدي إلى التوافق على اسم رئيس الوزراء القادم الذي تتوافر فيه الصفات المؤهلة لمرحلة الإصلاح والتغيير المتوقعين، ولعل أهم ما يمكن أن يتميز به بعده عن أي شبهة سلبية حتى يكون قادرا على إعادة هيبة الدولة، ولا بد أن يكون قريبا من الناس محبا لهم ويحظى هو بحبهم وقبولهم.
إذاً بات التغيير الذي يأمله الناس يقع على عاتق رأس النظام في اختياره لمجلس الوزراء والأعيان، وكل ما يتبع ذلك في مفاصل الدولة المختلفة.
من المؤكد أن غالبية الأردنيين الذين ارتضوا الحكم الهاشمي الوراثي باتوا لا يتقبلون أن تكون صفة الوراثة لغيره لا في المناصب الكبيرة ولا الصغيرة، بل أكثر من ذلك باتوا يمقتون هذه الفكرة جملة وتفصيلا.
كذلك ليس من مصلحة النظام أن يأتي بأي شخص تلاحقه شبهة فساد أو كان مسؤولا عن أي أذى لحق الوطن والمواطن، وساهم في إفقارهما؛ لأن هذه الأسماء ستبقى مادة للحراك والمعارضة يذكّرون النظام بها، وبما اقترفته يداها، ويطالبون بمحاسبتها، ولعل مصلحة الوطن والنظام تكمن في تغييبها إن لم نستطع محاسبتها.
ولا شك ان الاستمرار بمحاكمة الفاسدين واسترجاع ما أمكن منهم، سيريح الشارع أكثر فأكثر.
ولابد من الاعتماد على الكفاءات في مواقع الدولة المختلفة ، فهي ضرورة من ضرورات التغيير الذي يتناسب مع الإصلاح الحقيقي الذي يقنع الغالبية، فيؤسس لمنهج جديد في اختيار الأصلح، وهكذا سيمتد الإصلاح إلى مفاصل الدولة المختلفة، ولعل هذا يشبه إلى حد كبير فكرة تقشير الجلد المعتمدة في مراكز التجميل التي تقوم على التخلص من الطبقة الخارجية المهترئة والمتبقّعة، والمثقّبة من آثار البثور... مما يسمح بالكشف عن طبقة جديدة، وهذه حالما يُسمح لها بالتنفس، فإنها تكون قادرة على تحسين مظهر البشرة وتجديد شبابها، والتجديد على أي حال سنة الحياة، فهو يحمي الدولة من الترهل والضعف، ومن ثم الانهيار.
إن هذا كله سيسمح بإعادة هيبة الدولة شيئا فشيئا، فلا المسؤول لديه ما يخاف منه، ولا المواطن لديه ما يهدد المسؤول به، وبالتالي سيحكتم الجميع إلى القانون، وسيعمل هذا كله على ترميم الثقة بين المواطن والدولة.
وإزاء هذه الخطوات المأمولة لا بد للحراك والمعارضة من اتحاذ خطوات بالمث
ل، والتنازل عن بعض مطالبهم من أجل مصلحة الوطن، واعتماد خطاب توافقي، فلا يجوز لأحد احتكار الحقيقة، فالأردن للجميع وليس لمكون واحد، ولا بد من احتكام الجميع إلى الحوار الذي يحقق الإصلاح بدلا من المظاهرات الأسبوعية، وإلا فإن الأغلبية ستبدأ بالتخلي عنهم، وعن مساندتهم شيئا فشيئا.
خطوات قليلة لا تكلف رأس النظام شيئا، ولكنها يمكن أن تحفظ الوطن، والعرش، وتساعدهما على تجاوز ما يسمى بالربيع العربي بعبور أردني خال من الدم والخراب، ومزيد من النزف لموارد الدولة وسمعتها.