المقامة الخميسية الأردنية للعام 2024
عاطف الفراية
08-12-2007 02:00 AM
((هذه الرسالة وجدت مهترئة في ملف ذكريات وجد بزنزانة مجرم خطير يدعى خميس بن جمعة السبتي كتبها عام ( 2014). أي قبل عشر سنين من الآن.. حيث قام قبل أيام بقتل أحد حرّاس السجن ونجح في الفرار..))
.............أنا ابن حلال أردني .. ابن حلال صرف .. عمري الآن فوق العشرين ..جريمتي الأولى كانت أن أمي وافقت على الزواج من أبي... وبعد ولادتي بشهر واحد مات أبي قهرا .. لأن الكومبريدور الذي يعمل عنده بصق في وجهه..
فحاولت أمي أن تجد عملا تعتاش منه.. لكنها لم تكن متعلمة بعد الثانوية .. إذ أخبرني أحد المتطوعين أنها تقدمت لبعثة دراسية رسمية.. وكانت مستوفية لكل الشروط.. لكنها لم تدعم طلبها بتوقيع من أي شخص مهم.. وقيل لي إن البعثة سرقت منها وأعطيت لأحد المحاسيب.. مما دعاها لترك الجامعة منذ الفصل الأول لأن أباها الراعي لم يكن يملك من الغنم شيئا لينفق عليها.. وقد ترك عمله في رعي غنم الناس بما يشبه السخرة ... واشتغل سائقا لدى أحد الأثرياء.. وهو الآن (أي جدي لأمي) في السجن بدلا من ابن ذلك الثري الذي دهس فقيرا وهو في حالة سكر.. فاضطر الثري إلى إلصاق التهمة بالسائق.. وقيل إنه مات مقهورا أيضا.
لم تجد أمي عملا يكفيها ويكفي لإرضاعي.. ولأنها كانت عفيفة النفس لم تستطع أن تسأل الناس على أبواب المساجد.. احتضنتني وذهبت إلى أحد القصور في عمان الغربية لتعمل خادمة.. اشترط عليها صاحب القصر أن تتخلص مني لأنه غير مستعد أن يتكفل بإطعام (ابن حرام)!! وعبثا حاولت المسكينة إقناعه بأنني ابن حلال صرف.. وأن أبي مات قهرا وجوعا.. وجدت في الرقيم الطيني الذي يؤرخ لحياة الأرادنة أنها ذهبت بي إلى إحدى الحدائق ووضعتني أملا في أن يلتقطني بعض السيارة.. ويبيعوني إلى أحد الأثرياء ... وعادت إلى القصر لتخدم الفارس النبيل الذي لا يرضى بإطعام أولاد الحرام.. ولم أعلم عنها شيئا سوى أنها أصبحت فيما بعد نادلة في بار ليلي يمتلكه ذلك النبيل.. وسمعت أنها بقيت نادلة شريفة (على ذمة الراوي).....وإن كنت لا أثق به كثيرا..
لكن أمنيتها خابت.. لم يلتقطني سوى امرأة عجوز عقيم.. ترعى الصغار في منزلها لوجه الله .. عسى أن ينفعوها أو تتخذهم أولادا .. وكنا ثلاثة من اللقطاء في سن السابعة عندما ماتت العجوز التي لم يكن لها وريث.. فاستولت (الأمانة) على المنزل وهدمته لإقامة حديقة صغيرة يتنزه فيها أثرياء الحي المجاور.. وألقت بنا إلى الرصيف.. الأول كان اسمه ماهر.. ولشدة مهارته فقد احترف بيع الأشرطة الغنائية على عربة بثلاث عجلات .. علمت فيما بعد أنه أصبح يمتلك استوديوهات للتسجيلات الصوتية !! ويحتكر المطربات بمبالغ طائلة.. ولديه محطة فضائية خاصة .. الثاني (لا أذكر اسمه) مات من البرد بعد هدم المنزل بأيام.. والثالث أنا.. لم أكن أعرف لي اسما.. فبعضهم كان يسميني اليتيم.. وبعضهم يناديني بابن الحرام.. وبعضهم بابن الحديقة.. وحين يناديني شخص غني ليكلفني بمهمة مقابل (شلن) كان يقول: تعال يا قمامة.. ولكثرة ما تقلبت عليّ الأيام استقر الناس على تسميتي (خميس بن جمعة السبتي) وهو الاسم الذي سجله لي أحد الأثرياء لاحقا حين استخرج لي أوراقا ثبوتيّة لأصوت له في الانتخابات.
دارت بي الدنيا دورات عجيبة.. عملت في مهن لا حصر لها.. حاولت مرة أن أتسول.. فقبض عليّ سريعا لأنني عديم الخبرة في الهرب.. طلب مني متسول محترف يتظاهر بالعمى أن أشتغل معه بوظيفة (عكّاز) فأصبحت عكازا لشحاذ.. ثم تعلمت السرقة.. وكان أول شيء سرقته صندوقا لمسح الأحذية لأعيش بشرف..لكن (الأمانة) صادرته (لأسباب سياحية) فعدت إلى التسول.. وعملت (سرا) في (القوادة) مع بعض المتشردات الصغيرات.. دفعت لي إحداهن دينارا كاملا مقابل أن أقوم بخنق وليدها ورميه في حاوية.. ضحكت عليها وأخذت الدينار.. ووضعت الطفل في الحديقة التي بنيت على أنقاض منزل العجوز العقيم... بعد ذلك بساعات قبض عليّ مع مجموعة من المتشردين وفتشوني فوجدوا الدينار.. فطلبوا مني أن أثبت مصدره الشرعي.. وصونا لسمعة تلك المتشردة اضطررت للاعتراف كذبا بأنني سرقته... صادروا الدينار وأطلقوني في اليوم التالي.. وأسرعت إلى الحديقة.. رأيت الأثرياء المتنزهين يتجمهرون ليتفرجوا على (كلبة) حنّت على الطفل الذي تركته هناك.. كانت الكلبة تلقم الطفل ثديها وترضعه.. صفقوا لها وانصرفوا.. ضاحكين.. ولم يتدخل أحد.. هو الآن شاب متشرد .. ولا يعلم لماذا يناديه الناس بابن الكلبة..
تلقفت بقايا الأطعمة من الحاويات.. وذات مرة كنت نائما في حاوية للقمامة فدعمتني إحدى السيارات .. لكنني نجوت بأعجوبة.. فقررت ألا أنام في حاوية بعدها.. لأنني أصبت بمرض الرهاب من نوع (فوبيا الحاوية) ومنذ سنين طويلة لم أنم في حاوية.. ولم يعد أحد يناديني .. يا قمامة..
والآن أنا في السجن.. أتدرون لماذا؟
ذلك الثري الذي استخرج لي الأوراق الثبوتية أقام عليّ دعوى قضائية اتهمني فيها بالنصب والاحتيال.. لأنني (بعد أن استخرج لي الأوراق) وأصبحت ( بفضله كما يقول) إنسانا معترفا بي ومعي بطاقة.. لم أصوت له في انتخابات البرلمان عام 2013.. بل قمت ببيع صوتي لثري آخر مقابل عشاء ليلتين..
نحن الآن في العام 2014 وأنا الآن في السجن.. وألعن اللحظة التي سأخرج فيها.. لأنني إنسان وطني جدا .. لم أبع صوتي إلا مضطرا.. لكنني بعد خروجي من السجن سيكون صوتي قد بح من الصراخ.. ولن يصلح للبيع .. لذلك أعتقد أنني سأبيع.. سأبيع أي شيء.. وكل شيء..كل شيء
.............................
ملاحظة من الكاتب: جميع شخصيات الحكاية خيالية.. فإن شعر أحد أنه يشبه إحداها.. فهو أمر مقصود تماما.. وليس صدفة.
http://atefamal.maktoobblog.com/