أبو الفقراء ، سيدنا جعفر بن ابي طالب ، اول الفداء والدم ، المستوي على سرج حصانه ، منذ الف واربعمائة عام ، هناك في الكرك الجنوبية ، عليه سلام الله ، ورضوانه ، في هذه الايام المباركة ، هو ورجال مؤته ، الذين بقيت ارواحهم ، دليلا ، على امة ولدت ، لتبقى ، لا..ان تذروها العاتيات. كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يحب جعفر بن ابي طالب ، ولقبه بأبي الفقراء ، لانه كان كريما جوادا ، فاذا طرق احد بابه ، محتاجا ، لم يكن يبحث عن فائض ما لديه ليعطي ، بل يعطي من رأس ما لديه ، او كل ما لديه ، وهذا درس في سر العطاء ، فكثيرون منا ، يعتبرون ان العطاء للاخرين ، يجب ان يكون من فائض مالهم ، او حين يتوفر المال ، اصلا ، واذا كانت الاغلبية لدينا تتصرف هكذا ، فان العطاء الاصيل ، لا يكون بمنح الفقير ، ملابس ابنك الممزقة ، او تلك التي لا يريدها ، او من فائض طعامك ، بل ان تساويه بنفسك ، وتفضله عليك تارة اخرى ، فيكون عطاء مع ايثار ، ويكون الجميع في هكذا حالة ، مسخرين للفرد.
اثارني احدهم بشدة في زفاف ابنه ، حين دعا كل الفقراء الذين يعرفهم وعائلاتهم ، ليتناولوا طعام غداء الزفاف ، مع ضيوفه ، المتجهمين من مسؤولين حاليين وسابقين ، فيضع الفقير يده في الطعام ، مثله ، مثل الثري المتجهم ، وحين سألته لما فعل ذلك ، قال..وهل يليق بي ان انتظر المتنفذين حتى يفرغوا من طعامهم ، ثم ارسل بقايا الطعام ، الى الفقراء.
جعفر بن ابي طالب ، لم يحز لقب "ابو الفقراء" ..الا.. لانه كان اصيلا ، في مسلكه ، لم يبحث يومها عن لقطة تلفزيونية ، ولا عن ذاكرة قلمية ، ليتحدث عنه الناس فيضيع عمله ، وهو ايضا ، لم يكرم الفقير ، وهو يظن في نفسه ، انه احسن منه ، او متفوق عليه ، لسان حاله ، ربما ، يقول..انا ماء الوضوء على اقدامكم ، انا ماسح الغبار عن ارديتكم ، فالفقير عند الله اعلى شأنا منا جميعا...الا يكفي..انه لاينقلب على ربه ، ساعة جوع ، او ساعة الم ، ..الا يكفي..انه يقبل ما يحل به ، ولا يقلب وجهه في الارض بحثا ، عن قبلة كفر او شرك او فساد ، انتقاما ، من دنيا لم يحزها ، وسر القبول والرضى ، والتسليم ، يعادل ربما سر العبادة.
جعفر بن ابي طالب ، الواقف ، منذ الف واربعمائة عام ، كراية مجللة بالاخضر ، في الجنوب المبارك ، لم يستشهد على ارض الاردن ، عبثا ، يمينه التي حملت الراية ، حتى قطعها الروم ، ثم يسراه ، التي انقطعت ، وهو لا يصرخ ألما ، ولا اعتراضا ، كانتا درسا ، في ان الامم لا تنهض ، بالشكوى والبكاء ، وكثرة التقلب والانقلاب على نفسها ودينها ، فجعفر..اول الفداء والدم ، المشرق علينا ، كشمس ايار الجميلة ، اخبرنا ، ان العطاء ، لا حد له ، فان ذهبت يمينك ، فهناك اليسرى ، وان ذهبت اليسرى ، فهناك جسدك ، وان استحلوا جسدك ، فروحك عصية على الاحتلال والاستحلال.
"ابو الفقراء" جعفر بن ابي طالب ، ليس عابر سبيل ، في هذه الارض الطاهرة والمباركة ، التي يريد البعض لجهل او لغير جهل ، ان يسلبها سرها وتاريخها ، فيردد البعض ما يقوله الخصم والعدو ، بأنها ارض بلا سكان ، وهي دعوى القتلة والمجرمين ، فكيف لا تكون بلا سكان ، وفيها قبلنا ، وبعدنا ، روح جعفر ورفاقه من ابو عبيدة الجراح ، وصولا الى الانبياء الذين مروا ، او الصحابة الذين استشهدوا ، فيها ، وما يجمعهم ، ان ربنا اختارها ، ارضا مباركة لارواحهم ، وليذكرونا كل حين ، بسر المكان ، وسر "الوظيفة" التي لا تغفو عنها عيون من ولدوا على ارض من الكبرياء.
الى جعفر..سلام منا ، فما نسيناه ، فكيف ننساه ، وصهيل خيله وخيل رفاقه ، يصهل في الجنوب ، منذ ذلك الحين ، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا ، وحتى ذاك..سلام اخر على روحك وارواح كل المقاتلين الشجعان ، الذين ما خذلوا الراية ، وما خذلتهم.