من الصعب الحكم على مجلس النواب القادم بصورة نهائية عبر اسم الرئيس الجديد الذي سيتم اختياره اليوم، فيما إذا كان تكراراً للماضي أم وجها جديدا!، لكن، في الوقت نفسه، ترسل "معركة الرئاسة" مؤشّرات مهمة وأساسية حول الصورة التي سيرسمها المجلس الحالي عن نفسه.
في جوار معركة الرئاسة، ثمة معركة أخرى محتدمة أكثر خطورة وأهمية، تدور خارج قبة البرلمان، وتتمركز بين وجهة نظر مدعومة من طيف في المعارضة لا يرى منذ البداية خيراً من المجلس الحالي، ويسعى إلى إسقاطه ابتداءً، وبين وجهة نظر أخرى تدعو إلى مراقبة المشهد النيابي قبل النطق بالحكم، وتأبين المجلس، والعودة مرّة أخرى إلى "المربع الأول".
ليس مهماً شخصية رئيس المجلس، بقدر ما تبدو المهمة أمام النواب القدامى والجدد وحتى مطابخ القرار بأن لا تُقدّم أدلّة ورسائل منذ البداية بعودة التدخلات الرسمية لصالح هذا الشخص أو ذاك أو تجاه قرارات ومواقف معيّنة، فمثل هذه الرسائل كفيلة بالهبوط بطائرة المجلس الجديد فور الإقلاع!
لتذكير السادة النواب القدامى وتنبيه القادمين الجدد؛ فإنّ مجلس النواب السابق خسر معركته منذ اليوم الأول، عندما منح حكومة سمير الرفاعي ثقة فلكية (111 من 120)، ولم تُجدِ التنبيهات والتحذيرات قبل ذلك من خطورة ذلك على شرعية العملية السياسية نفسها، فوُسم المجلس منذ تلك اللحظة بـ"مجلس الـ111" ولم تُفلح كل محاولات تنظيف سمعة المجلس من خطابات نارية وبيانات تطالب بإقالة الحكومة أمام الرأي العام، الذي أصدر حكمه، وبدأ يعدّ الأيام لرحيل المجلس منذ اللحظة الأولى!
بالضرورة ليست المسألة شكلية، أي المطلوب أن لا يكون هنالك أي نوع من أنواع الوصاية أو التدخل أو المظلات التي ترفع فوق قبة البرلمان، حتى لا تُجهض التجربة منذ البداية، وتخسر الدولة معركة خطرة جداً واستراتيجية تتمثّل باستعادة هيبة وصورة مؤسساتها والثقة باستقلالية السلطة التشريعية كرمال عيون تكتيك سياسي جانبي.
ذلك يتطلّب – بدوره- من مراكز القرار والمسؤولين التفكير خارج الصندوق التقليدي، والتخلّي عن صيغة المعادلة التي حكمت الطرفين سابقاً، وأذلّت المجلس، حتى أصبح النواب أنفسهم يتحدثون عن تحول المواقف 180 درجة عبر المكالمات الهاتفية أو (الألو)، فمثل هذه الصيغة لم تعد مؤذية فقط للمجلس وصورته، بل للدولة نفسها.
تكسير صورة البرلمان، إفشال لخريطة الطريق الرسمية بأسرها، في ظل بقاء القوى الرئيسة من المعارضة، جبهة الإصلاح الوطني وجماعة الإخوان المسلمين وطيف مهم من الحراك، في الشارع خارج قبّة البرلمان، وفي سياق مناخ اجتماعي محتقن يعاني الأمرّين من الأوضاع المالية ومن فجوة العدالة والفقر والبطالة.
إذا فشل المجلس في السير بالاتجاه المعاكس لمواجهة الصورة النمطية والانطباعات الأوّلية، فإنّ هذا سيطاول أيضاً الخطوات التالية، مثل تشكيل الحكومة البرلمانية، وتسمية الرئيس والوزراء، كل ذلك سيفقد جوهره ومعناه، وستصاب مصداقية الدولة (المترنحة أصلاً) بضربة جديدة قاسية!
إذاً، مع افتتاح الدورة غير العادية اليوم لمجلس الأمّة السابع عشر، سيدخل السيستم في تحديّات مصيرية وجوهرية، داخلياً وخارجياً، وستكون الفترة الأولى مهمة رمزياً واستراتيجياً وإعلامياً، فدعونا نراقب.
m.aburumman@alghad.jo
الغد