الذي اخترع جهاز الموبايل،اما كان وحيدا يعاني من العزلة والملل، واما كان عاطلا عن العمل، وفي الأولى والثانية قرر الانتقام من العالم،واستباحة الخصوصيات، واشغال الناس ببعضهم البعض.
وحدنا نتعامل مع جهاز الموبايل، باعتباره جهازاً أرضياً قديماً، فيطلبك أحدهم فلا ترد لانك في اجتماع على سبيل المثال، فيعود ويطلبك مثنى وثلاث ورباع، وكأن الامر يعتمد فقط على الرنين، هذا على الرغم من انه ليس بحاجة لاعادة الاتصال، فرقمه واضح، ولو أردت العودة إليه لعدت.
يفقد المتصل عقله إذا اعطيته اشارة مشغول، و يعتبرها اهانة، فيعيد الاتصال مرات ومرات، فلا ترد لسبب ما، وقد يباغتك بالاتصال من أرقام بديلة، ليعرف هل سترد، أم تتقصد عدم الرد عليه لانك تعرف رقمه، ومرات يقتحمك عبر الرقم المحجوب أو الخاص، اي private number فتظن ان رئيس الحكومة على الخط، فإذ به بائع الترمس يريد ان يشكو اليك تعسف مراقب الصحة؟!.
رؤساء الحكومات وكبار المسؤولين أكثر تواضعاً من المواطن اذ يتصلون من ارقام معروفة وغير محجوبة، من هواتفهم الخلوية، فيما المحتال والمتسول وصاحب الحالة الإنسانية والمواطن العادي، يطلبونك من أرقام خلوية محجوبة الرقم، واذ ترد تشعر وكأن شخصا ما قفز الى داخل بيتك عنوة، شئت أم ابيت.
معيبة هي قصة الرقم الخاص وتدلل على نفسية المتصل في حالات كثيرة، الذي يستعمل الايهام للوصول اليك، ومعها شبكات الارقام التي يتم اجتياحك عبرها، ولدى كل مواطن خمسة خطوط على كل الشبكات، وكأنه يدير قمراً صناعياً للاتصالات.
هي قصة الخلوي في الاردن، والبعض لايتصل بك، بل يكتفي برنة ويفصل الاتصال، لانه يريد ان تعود اليه وتطلبه على حسابك، فتصير شكواه المرّة وصب همومه على رأسك، ممولة منك، ومرات يرسل لك المتصل رسالة طالبا تحويل رصيد مالي الى خطه، من اجل ان يتصل بك.
ازعاجات الليل لاتتوقف، فقد يطلبك احدهم الثالثة فجرا، ويقول لك بكل سماجة آسف لست انت المطلوب، ومرات تترك الهاتف ليوم واحد في بيتك وتقرر عدم استعماله فتكتشف انك غبت عن العالم، وتسأل عن كيفية عيشنا قبيل انتشار الخلوي في بيوتنا؟!.
ذات مرة سألتني محتاجة ان اساعدها فوعدتها خيراً وطلبت رقم هاتفها، فسألتني عن رقم هاتفي وعلى اي شبكة هو، فقلت لها لماذا تسألين السؤال، فقالت اريد ان اوفر عليك، فلدي رقمّا هاتف على شبكتين مختلفتين، وأريد اعطاءك رقم الهاتف من ذات شبكة رقمك، و هاهي محتاجة لكنها تحمل عدة أرقام وأجهزة خلوية لكل المهمات.
عامل النظافة العربي الذي يأتي الى الحي، اراه وقد تزنر على خصره بجهازين خلويين، الاول على ميمنته والاخر على ميسرته، فأسأله لماذا يحمل هاتفين، فيقول واحد للداخل الاردني والآخر للمدام في دياره. معه حق ربما، لان الهوى مكلف ايضا!.
في كل الدنيا، يتم استعمال الخلوي عبر قواعد معينة، اذ ندر ماتجد غربياً يتصل بك في فترة الغداء، وندر ما تجد غربياً يخلعك اتصالا بعد التاسعة ليلا، وندر ماتجد غربياً مصاب بهوس الرنين، ولا يتم استعمال الجهاز إلا لامر ضروري.
وحدنا ايضا نضع الاجهزة قرب رؤوسنا قبيل النوم، رغم كل التحذيرات الطبية، وانتباه الناس اصلا إلى انهم يستيقظون وفي رأس الواحد نسبة من السطلان والتشويش، كيف لا وكل الاشعاعات المغناطيسية تصب على رأس النائم، وفي حالات قد تنفجر بطارية الجهاز فتسبب ضررا هنا أوهناك.
النسوة لدينا يبدعن بشكل بشع في استعمال الموبايل حين تدسه خلف المنديل وتبقيه على اذنها سائرة او جالسة مثل رجل آلي.
شركات الخلوي تجمع مئات الملايين سنويا من جيوبنا،وكثيرا ما يندد الناس بهذه الفواتير،غير انه يقال للشركات،هنيئا لكم،لانكم وجدتم من يمكن اخذ ماله ببساطة،ومن يدفع مئات الملايين مقابل كلمات من قبيل (شو طبخت) أو (شو في مافي ) او (صافية وافية) وهي عبارات تكلف المواطن لدينا سنويا، ما لايقل عن نصف مليار دولار، من اصل مليار دولار هي قيمة فاتورة اتصالاتنا السنوية.
«ملعون ابوه من اختراع»!.
maher@addustour.com.jo
الدستور