ما الأفكار والمصالح والقيم التي تتشكل على أساسها الكتل النيابية؟ وما الفرق بين هذه الأسس المنظمة للتجمع من كتلة إلى أخرى؟ أو لنسأل ببساطة: ما الذي يجمع بين السادة النواب في الكتل التي يشكلونها؟
ثمة إجابات فورية وعفوية تبدو صحيحة إلى حدّ كبير. هناك كتلة الوسط الإسلامي، وهي تضم مجموعة من النواب المتدينين تدينا معتدلا وسطيا، ولكن برنامجهم وأفكارهم السياسية هي أقرب إلى الوسط السياسي العام والتقليدي، والذي يواجه في مجمله حالة من الارتباك والمراجعة، وتحديات التكيف الصعبة بين مطالب إصلاحية واجتماعية كبيرة ومعقدة وبين قدرة النخب السياسية التقليدية على البقاء في سدّة القيادة والتأثير؛ بمعنى الإصلاح بدون تغيير مؤثر في بنية القيادات السياسية والإدارية ومحركات السوق والمجتمع.
وهناك أيضا كتلة من السياسيين الذين كانوا في صفوف المعارضة، أو يطرحون خطابا معارضا على خلفيات رؤى واجتهادات إصلاحية أو انتماءات وتجارب قومية ويسارية، مثل حسن عبيدات، ومصطفى شنيكات، ومصطفى الرواشدة، ورلى الحروب، ومصطفى حمارنة. وربما تطور الأحزاب والكتل السياسية كتلا نيابية، مثل الاتحاد الوطني. وسوف تحاول الكتل أن تضم إليها نوابا جددا لم تجمعهم بها من قبل تجارب سياسية ورؤى فكرية. ويبدو أن كتلا تتشكل على أساس طموحات شخصية، أو تكتلات قرابية وجغرافية.
وفي جميع الأحوال، فإنها كتل لن يكون بمقدورها، بسهولة، إنشاء تكتلات نيابية مؤسسية ومتماسكة إلى درجة كافية لتنظيم وقيادة العمل السياسي. إذ ثمة قدر من القيم السياسية والإصلاحية والفكرية، ولكنها غير كافية للتشكيل والتنظيم، ولن تكون أقوى من الطموحات الشخصية والمطالب "المغانمية" والضغط على توزيع المكاسب والمناصب بعيدا عن المتطلبات الموضوعية للعمل السياسي.
الذين يؤمنون بالديمقراطية ويلتزمونها بدوافع جمالية، واستجابة لضمير ذاتي لا علاقة له بالواجب والقانون والدين والمصالح والمنافع، هم نسبة قليلة من الناس في جميع أنحاء العالم، لا تتجاوز نسبتهم 5 %؛ ولا تحتاج المجتمعات إلى أكثر من هذه النسبة لبناء ديمقراطية عادلة (نسبيا بالطبع). ولكن الديمقراطية تقوم على نسبة كبيرة من الأفراد والجماعات والأعمال والمصالح، لا تقل عن 80 % من الناس، تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها عقدا اجتماعيا ينظم المصالح والأعمال والتنافس والعطاءات والتوريدات والتوظيف والقوانين والتشريعات والإدارة والعقوبات. ويكون عادة ثمة نسبة من الناس بين 5 - 15 %، ويجب ألا يزيدوا على ذلك، يلتزمون بالديمقراطية استجابة لدوافع دينية وقانونية (الواجب).
وما يحصل عندنا أن العمل السياسي يقوم على الملتزمين بالواجب، ونسبة من أصحاب المصالح والطموحات الشخصية والعصبيات القرابية، ولم نشهد بعد تحركا للأفراد والجماعات التي تربط بين مصالحها وتقدمها وازدهارها وبين الديمقراطية. ولكن، لا يمكن الحديث عن الديمقراطية من غير هؤلاء!
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد