مجانين ظرفاء في مجابهة الغلاء!!
رمزي الغزوي
07-12-2007 02:00 AM
في قرية بعيدة جداً عن الأضواء والأنوار، كان المختار هو الكل في الكل، صارما يده والهواة (أي يده والضربة)، وكلمته لا تصير كلمتين، وكان يقطع الرأس (بفقوسة)، أي لفرط جبروته يقص رأس من يسرق فقوسة (والفقوس هو ابن عم الخيار اللزم)!!!. وكان على الطرف الآخر في القرية مجانين ظرفاء صادقون تلقائيون، يبتكرون طرائق جديدة وفنون جميلة في الاحتجاج على كل أوجاع القرية وأتعابها، فذات جنون صعد أحدهم إلى شرفة مئذنة الجامع العالية؛ كي يرى الناس بحجم صغير، أي بحجمهم الحقيقي الطبيعي!!، لكنه ما أن وقف عالياً، حتى أعتقده الناس أنه يريد الانتحار، بقذف نفسه إلى الأرض!!.
ولأن الحياة غالية جداً في هذه القرية، وأغلى من علبة كبريت، فقد دخلوا معه في مساومات ومناقشات حادة، كان هو الطرف الأقوى فيها، ليثنوه عن رمي نفسه، فوعدوه وعوداً كثيرة ومثيرة، وكانت طلباته تنصبُّ على تحسين رغيف الخبز، حجماً واتساعاً وشكلاً وسعراً، وشدد على أن يضاف للرغيف كل أنواع الفيتامينات والبروتينات والأنزيمات التي يفتقر إليها المواطن، صاحب الدم الفقير!!!.
مجنون آخر في القرية يسمى (أبو عقل ونص)، وهو صاحب نظرية أثيرة في أوضاع الناس وأوجاعهم، فالحالة دائماً إلى الوراء (كبول الجمل!!)، والأمور إلى تدهور وخراب: (فالشهر الذي كنَّا ننوي أن نشتري فيه حذاءً، بعنا له الجوارب؛ كي نأكل)!!، ولهذا قرر أن يظل حافياً في شوارع القرية الملساء!!.
مجنون ثالث أذّن في الناس إلى أن تجمعوا، ثم اعتلى عاموداً للهاتف، في وسط البلدة، وخطب مزبِّداً وصارخاً ومحتجاً، وعقب خطبته العصماء البكماء، أعلن بالفم الملآن، بأنه واحتجاجاً على ارتفاع الأسعار الأخيرة، قرّر أن يبيع إحدى كليتيه، ليأكل بها، قراراً بائناً: ومالها العيشة بكلية واحدة!!.
كلّ المصابين بالفشل الكلوي، الراغبين بالتخلص من عناء غسل الكلى، تجمعوا في بيته، وكل قدم له سعراً أفضل من الآخر، فأتفق مع أحدهم، وفي اليوم المحدد لعملية نقل الكلية، تفاجأ الناس بمجنونهم العاقل يعتلي ذات العامود، ويطلق خطبةً عصماء جديدة، أعلن في نهايتها أنه عَدَلَ عن بيع كليته، فهذا لا يكفي أبداً، فالأسعار تركب صاروخاً نووياً، ولكنه قرر أن يبع الكلية الثانية، والثالثة إذا وجدت، مع القلب بحجراته الأربعة، والطحال والبنكرياس، والزائدة الدودية وغير الدودية!، أي كل الطحاويش، قراراً بائناً لا رجعة عنه، وخلي الحكومة ترضى وتحني يديها!!.
هذا وقيل، أن كل سكان القرية يسيرون حتى هذا اليوم بلا أحشاء وقلوب، ووحدها الأسعار تزداد.. نار!!!. ramzi972@hotmail.com