لم ينجُ مجلس النواب الجديد مما حاق بسابقيه من شكوك وظلال سلبية قبل أن يبدأ؛ إمّا بفعل قانون الانتخاب والمقاطعة، أو بسبب اللغط الذي لحق بإعلان النتائج، ما عكر من صفو الاحتفال بإنجاز النزاهة والتخلّص من إرث السنوات السابقة.
بالرغم من ذلك، فإنّ الحكم المسبق بالإعدام ونفض اليدين من المجلس سابقٌ لأوانه، ليس فقط لأنّنا أمام "ديناميكيات" جديدة مفترضة، تعيد تشكيل صيغة العلاقة بين الحكومة والمجلس، عبر مشاورات الحكومة البرلمانية؛ بل لأنّنا أمام مزاج نيابي جديد مرتبط بالحالة الشعبية المحتقنة، سيفرض نفسه على المجلس ونوابه الذين تعلموا، بالضرورة، دروساً قاسية من تجارب المجلسين السابقين، بخاصة أنّ "المظلة الأمنية" التي حكمت مواقف وسلوك عدد كبير من النواب في المرحلة السابقة تقلّص مداها كثيراً!
يعزّز ضرورة الانتظار والتريّث قبل الحكم أنّ لدينا نواباً جدداً، يشكلون ثلثي المجلس الحالي، لم نختبر نوايا غالبيتهم وتوجهاتهم ومواقفهم السياسية. وإن كانوا أفراداً لا حزبيين -مما يضعف شوكتهم بالضرورة- إلا أن ذلك لا يعني أنّهم قد لا يكونون مؤثّرين.
اليوم، بدأ المشهد النيابي يتشكّل. وهو بالضرورة متحرّك هلامي، لضعف الوجود الحزبي، واعتماد الكتل على علاقات شخصية وتوجهات فردية. إلاّ أنّ الخريطة الأولية تساعدنا في استنطاق المعالم العامة، والاتجاهات الرئيسة التي تُنسج اليوم عبر 5 أو 6 كتل رئيسة يتم الإعلان عنها بالتوالي.
المفاجأة الأولى في تكوين الكتل تبدّت فيما أطلق عليها كتلة التجمع الديمقراطي، الكبيرة نسبياً، مقارنة بكتلة اليسار الديمقراطي في البرلمان السابق، وتضم مبدئياً قرابة 32 نائباً.
وبالرغم من أنّ الكتلة قدّمت رؤية واضحة وقوية منذ البداية، إلاّ أنّ التحدّي الحقيقي أمامها يتمثّل في قدرتها على التماسك والوحدة، بخاصة أنّنا مقبلون على منعطفات رئيسة، تتمثل في انتخابات لجان مجلس النواب والمكتب الدائم، ومن ثم مشاورات تشكيل الحكومة البرلمانية.
الكتلة الثانية التي من المتوقع أن تكون كبيرة أيضاً، هي كتلة وطن، ويقودها عاطف الطراونة مع خليل عطية، وربما يكون عدد أعضائها قريباً من كتلة "التجمع". فيما تمّ الإعلان أيضاً عن كتلة الاتحاد الوطني وتضم عشرة نواب، من أبرزهم محمد الخشمان. وهنالك كتلة الوسط الإسلامي، وتضم قرابة 18 نائباً؛ وكتلة الجبهة الموحدة ومن المتوقع أن تضم العدد نفسه. فيما يتوقع أن تكون هناك كتلة للنواب من رجال الأعمال، مثل أحمد الصفدي ونصّار القيسي وغيرهما.
مشهد مجلس النواب سيتوزع، إذن، بين هذه الكتل. وإذا ما تمّت الموافقة على تعديل النظام الداخلي للمجلس (الذي يمثّل أولوية جديّة)، وتمّت مأسسة الكتل النيابية فيه (كما أوصت ورشة عمل أقيمت مؤخراً في مركز الدراسات الاستراتيجية)؛ فإنّ ذلك سيدفع به خطوات إلى الأمام ويزيل كثيراً من السلبيات في النظام الحالي.
وفقاً لهذه المعادلة، فإنّ موقف الكتل المختلفة تجاه أي حكومة سيترتب على مستوى مشاركتها في تسمية أعضائها. وتبدو –لدينا- كتلة الجبهة الموحّدة (برئاسة أمجد المجالي) مرشّحة لتقديم خطاب نقدي يدفع باتجاه الإصلاح، وهو ما تعكسه عادة بيانات الحزب نفسه. كما يمكن أن تساهم في هذا الدور كتلة التجمع الديمقراطي، بعد أن تستقر على عدد أقل (فمن المتوقع وفقاً للأسماء الموجودة أن تشهد انسحابات منها).
السؤال سيطرح بدرجة أكبر على دور كتلة الوسط؛ فيما إذا كانت ستأخذ مسافة عن الدولة، أم ستفشل في هذا الامتحان بعد هذه القفزة الكبيرة في الحضور البرلماني؟!
لا نرفع سقف التوقعات ولا نتفاءل كثيراً، لكن دعونا نراقب قبل أن نحكم..
m.aburumman@alghad.jo
الغد