منذ بداية الخلق جبل الانسان على حقيقة انه "عبد"لا بد له من معتقد يؤمن به ويعبده ,ولهذا عبد الناس الشمس والقمر والنار والحجر والانعام وسوى ذلك من موجودات الكون ,وفي نسق ظل يؤشر لكل صاحب بصر وبصيرة ,على انها الفطرة هي ما يدفع البشرية الى حتمية الاستدلال الى "الله"الخالق جل في علاه لعبادته,فمنها من اهتدى اليه سبحانه,ومنها من ضل الطريق والى يومنا هذا ,وكذب بالرسل والرسالات ولم يؤمن! .
لقد خلق الله "آدم" عليه السلام وذريته من بعده ,لسببين عظيمين ,الاول عبادته سبحانه "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون", والثاني اعمار الارض واقامة العدل والحق فيها ,وهما سببان عظيمان لا يمكن للانسان ان يفيهما حقهما او بعضا منه الا اذا كان انسانا محترما بالمعنى الكلي للاحترام , وسنامه القدوة الحسنة والمثابرة ما امكن على اظهار الخلق الحسن ,فالعقيدة في مكنونها انما هي الاخلاق والالتزام والتقوى النابعة عن ايمان حقيقي لا مظهري قوامه طقوس تؤدي ولا تنهى عن الكذب والحسد والنميمة والنفاق والاستئثار والباطل والظلم , وما شابه من خصال ذميمة !.
وفي السياق ,فالمسلم الحق هو من جاهد النفس على ان تكون نفسا محترمة ,قوامها البر والتقوى والمودة والحسنى والبشاشة والاستقامة والسكينة ,وما شابه من خصال حميدة تجعل من الانسان المسلم مثلا وقدوة لسواه من خلق الله ,وليس فتحا جديدا القول بان الاسلام العظيم وجد طريقه الى قلوب الملايين من البشر باتباع القدوة , والاقتداء بعظمة ما جسد هذا الدين من قيم نبيلة لا تضاهى ,ومبادىء سامية لا تطاول ,وأسس سليمة لا تدانى , وللحياة الدنيا بكل تفاصيلها.
وفي السياق ايضا ,فحاشالله ان يكون في الاسلام دين الله للبشرية كافة مشكلة او مثلبة ,وانما هي في بعضنا نحن المسلمين العاجزين عن استلهام الاسلام كما هو ,فأسأنا اليه والى انفسنا من حيث ندري ولا ندري , عندما يتصور بعضنا ان الدين ملك له وحده , وان الوصاية له وحده , وان من حقه ان يفعل ما يشاء باسم الدين حتى لو اقتضى ذلك تكفير الآخر وتعنيفه ونبذه ,متجاهلا ان عظمة الله سبحانه هي العظمة وما سواها قشور ,وان رحمته جل وعلا وسعت كل شيء,, وان الدعوة الى الله لا تكون الا بالحسنى , وان قرار الكفر والايمان ,وبالتالي الجنة او النار, هي في حكم الله وحده , وليس لبشر ان يقرر فيها والا فهو متجاوز للحدود !.
نقول هذا ونحن نرى العجب العجاب في بلاد المسلمين بخاصة . عندما تنحسر القدوة الحسنة الا ما ندر ,وعندما يقدم بعضنا كل المبررات لاعداء الدين للأساءة اليه واظهاره كما لو كان" ولا حول ولا قوة الا بالله" ,دين عنف وقسوة , بينما يقول تعالى في محكم كتابه العزيز والخطاب هنا موجه لرسوله صلوات الله وسلامه عليه "وما ارسلناك الا رحمة للعالمين " اي للبشرية كافة لا الى فئة او شعب او امة بعينها دون سواها !.
يطول الكلام في هذا المجال الرحب ,لكن الامر الناجز هو دعوة للقائمين على امر الدعوة في بلاد المسلمين كافة ,للعودة الى الاصول والبدايات ,وتكريس الجهود كلها لتجسيد "القدوة" في الخلق والتعامل والسلوك وفق ما جاءت به الرسالة المحمدية العظيمة ,فغرس الايمان في قلوب العامة عبر تقديم "القدوة الحسنة", امتثالا للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ,هو وحده السبيل السليم والاقصر لبناء المجتمع المؤمن المسلم بكل تفاصيله ,وعندها ستنتهي والى الابد , سائر مشكلات الحياة في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل ميادين النشاط العام والخاص ,اما الذهاب مباشرة الى توظيف الدين في اصلاح السياسات او العكس , فذلك جهد يطول ويلقى العنت والمكابرة والعداء والصد في عالم مليء بالمتناقضات ,واخذته تطورات العصور الى اقصى حدود الصعب !,باختصار فان القدوة الحسنة هي سنام الايمان من جهة ,مثلما هي الطريق نحو استقطاب افئدة العامة للايمان الناجز بالله الواحد الاحد , وهو سبحانه من وراء القصد.