يستند د. همام سعيد، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، في إعلانه أمس عن رفض المشاركة في الحكومة المقبلة، إلى قرارات مجلس شورى الجماعة، والمطالب السبعة المقرّة والمعروفة. وهو بهذا التصريح –على موقع الجماعة- يقطع الطريق على أصوات (في الداخل) بدأت تتحدث عن ضرورة منح الحركة هامشاً من المرونة السياسية.
قصة مشاركة الإخوان في الحكومة ما تزال في طور الجهود المبذولة من قبل حزب الوسط الإسلامي، الذي حقّق نتيجة كبيرة في الانتخابات النيابية الأخيرة، وشكّل كتلة "كبيرة" في البرلمان؛ تمثّل قفزة في حضور الحزب في المشهد السياسي. وهو يقدّم مبادرة لتجسير العلاقة بين الدولة والإخوان، وإدماجهم في العملية الجارية.
الموضوع، كما يؤكّد لي مروان الفاعوري (مهندس "الوسط")، لا يخرج عن سياق الاجتهاد من قبل الحزب، واستثمار ثقله الجديد في مجلس النواب، لتشكيل حكومة "وفاق وطني"، وفق برنامج إصلاحي زمني واضح.
هذه المبادرة ما تزال في "مختبر الوسط". ووفق ما فهمت من صاحبها، فإنّ التوافق ممكن، ومرحّب به حتى من كتل نيابية مختلفة أخرى؛ أي إنّ المبادرة لم يتم تبنّيها من مؤسسات القرار في الدولة، ولم يُعرض على الإخوان رسمياً موقع رئاسة الوزراء، ولم يتم التفاوض على التفاصيل الدقيقة، فما تم النقاش فيه هو مبدأ المشاركة والأهداف والصيغة العامة.
في سياق هذه المعطيات، أعتقد أنّ موقف المراقب العام، مع الاحترام، أقرب إلى "الرسالة السلبية" في اتجاهين: للداخل في محاولة لقطع الطريق على التفكير في الموضوع؛ وللخارج تجاه حزب الوسط الإسلامي، بدرجة رئيسة. وكأنّ الخطاب المبطّن: "إنّنا نرفض المبادرة من حيث المبدأ"!
بالمناسبة، الوصول إلى تفاهم ليس سهلاً ولا في متناول اليد؛ فهنالك كتل برلمانية تتشكّل، وجهات متعددة معادية للإخوان في الدولة وخارجها. فالتوافق على "معادلة" لحكومة توافق وطني (أو إنقاذ) يدخل في تشكيلها الإخوان و"الوسط" والكتل الأخرى في البرلمان، يتطلب درجة عالية ومركّبة من التفاهمات. وفي حال نجاح تلك التفاهمات، فستمثل خطوات في الاتجاه الصحيح، نحو الإصلاح وتجنّب الانزلاق إلى سيناريوهات خطرة وحرجة.
لست متفائلاً في إمكانية تذليل هذه الصعوبات الجمّة والعوائق الكبيرة، لكنّ الفكرة بحد ذاتها إيجابية، تستحق رسالة في السياق نفسه من الجماعة، بما لا يعني الاستغناء أو التخلي عن مطالبها الإصلاحية، إنّما في جدولة المطالب والوصول إلى تفاهمات وتسويات تسير في قطار الإصلاح إلى الأمام، بدلاً من إغلاق الباب مبدئياً على قاعدة "وكفى الله المؤمنين القتال".
ثمة آراء في أروقة القيادات الإخوانية؛ فزكي بني ارشيد تحدث عن العودة إلى المؤسسات الشورية للبت في موضوع رئاسة الحكومة، وحمزة منصور تحدث عن الاستعداد للمشاركة في حكومة "إنقاذ وطني" بشروط معينة. وهنالك من الإخوان من يرى ضرورة منح فرصة لهذه المبادرة، ويعترف أنّ الجماعة تعاني أيضاً أزمة (وليس فقط الدولة)؛ إذ تفتقر إلى استراتيجية فاعلة لتحقيق مطالبها وأهدافها من خلال المقاطعة، وقد أثبتت مسيرة جمعة (ما قبل الانتخابات) أنّها وقعت في "المخاوف المطروحة داخلياً" من العجز عن ابتكار برنامج فاعل للتفاعل مع الشارع، والعودة إلى الرهان على "أزمة الدولة" نفسها والأوضاع الاقتصادية، بما قد تؤدي إليه من تداعيات اجتماعية وشعبية!
المبادرة بمثابة نافذة جديدة، ما دام رهان الجماعة ما يزال على إصلاح النظام، كما هي حال إخوانهم في المغرب؛ لا على الحلول الثورية. وذلك يتطلب خطاباً متّزناً معتدلاً واقعياً، ورسائل إيجابية، حتى إن كان سقف التفاؤل منخفضا؛ فعلى الأقل لتحديد موقع الجماعة الدقيق، وسقف خطابها، ونواياها تجاه الآخرين، وردّاً على ادعاءات الخصوم!
الغد