سبق المجالس النيابية الحديثة التي صدرت عن السلطة " قانون أو شريعة حمورابي " 1792-1750 قبل الميلاد وهو الملك السادس في سلالة بابل الأولى تضمن القانون أربعة وأربعين حقلا كتبت باللغة المسمارية تضمنت الأحوال الشخصية والتجارة والعلاقات التجارية والمهنية والزواج الخ .... وكان قد سبقه في ذلك الملك الفرعوني " مينا " مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى (5200) قبل الميلاد الذي وضع أقدم النظم التشريعية في التاريخ الذي وضع قانون " تحوت " .... وجاء بعد ذلك قوانين داركون وصولون في أثينا والألواح الإثني عشر في روما .أما عن مصطلح القانون ، فإن القانون كلمة يونانية الأصل وتعني العصا المستقيمة وهي تعبير يقصد به القاعدة أو المبدأ .
يقابل هذا المصطلح مصطلح " شريعة الغاب " ويقصد به التعبير عن حالة الفوضى وانعدام القانون ويأكل القوي فيها الضعيف ويكون البقاء فيها للأقوى وجاءت المجالس النيابية الحديثة في كافة الدول لتلعب الدور التشريعي والرقابي و وضع خطط وسياسات الدولة وإجازة القوانين واللوائح والنظم العامة .
وتسعى هذه القوانين إلى :-
1- تحقيق مصالح الأفراد وصون حرياتهم دون المساس بالآخرين وحماية حقوقهم .
2- المحافظة على كيان المجتمع ومنع انهياره ؛ بل العمل على تقدمه وازدهاره .
وتمخضت عن هذه القوانين العصرية دولة القانون ومن أهم قواعدها :
- وجود دستور أساسي يوفر أساسا وقواعد لممارسة السلطات العامة لوظائفها .
- خضوع الإدارة للقوانين .
أي أن هناك تكامل ولكن بمعنى استقلالية كل سلطة عن الأخرى والأساس في هذه العلاقة أن يكون هناك نوع من أنواع حسن التوافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لأن الهدف واحد رغم فصل السلطات وإن لكل سلطة حدود قانونية .
ومن مهام السلطة التشريعية سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية لعملها بتنفيذ ما تم تشريعه دون الالتفات والاختراق للقوانين بلوائح تنفيذية .
النائب والحصانة : الدساتير منحت العضو حصانة يستطيع من خلالها أن يطرح ما يشاء من الأفكار وأن يجادل من يشاء من الوزراء دون أن تلقى عليه المسؤولية دون أي قيود تحد من حريتهم .
هل الحصانة مطلقة أم نسبية ؟
تشير المادة (86) من الدستور الأردني إلى :-
1- لا يوقف أحد أعضاء مجلس الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرارا بالأكثرية المطلقة ، وبوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية ، وفي حالة القبض هذه يجب إعلام المجلس فورا .
2- وفي النظام الداخلي للبرلمان يبين إجراءات رفع الحصانة عن عضو المجلس حيث يقوم رئيس الوزراء بطلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس المجلس مشفوعة بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة ، ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب إلى الجنة القانونية لفحصه والنظر فيه فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ القرار برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة .
وبناءً عليه فإن الحصانة تقضي بعدم جواز مؤاخذة أعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الأوقات عند ما يبدونه من آراء.
ونصت المادة (87) من الدستور على أن لكل عضو من أعضاء مجلس الأعيان والنواب ملئ الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي .....
وعلى ما تقدم تبدو الحضانة نسبية وليست مطلقة وبما أن أعضاء الوزارة مسؤولون أمام البرلمان عما يبدونه من تقصير في أدائهم فإن عضو البرلمان أيضا مسؤول عما يبديه في أية مخالفة للقانون ويمكن مسائلته قانونيا ويرفع الحصانة والمحاكمة ثم الحبس إذا اقتضى الأمر.
حالات اقتضت رفع الحصانة :
اهتم النظام البرلماني في الدول الديمقراطية بالنظر إلى ما ينسب إلى أعضاء المجلس من أعمال تشكل خروجا على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية أو استغلالا للمنصب أو تعريضا بالأشخاص أو الهيئات أو الاعتداء على المال العام .
فقد أمر الكونغرس الأمريكي قانونا يحدد طبيعة العلاقة بين أعضاء الكونغرس وجماعات الضغط المختلفة وجاء فيه بمنع النواب من قبول الهدايا والهبات وحتى وجبات الأكل والسفر المدفوع الأجر ، كما يمنع القانون تسلم تبرعات لدعم النائب المرشح لأكثر من (1500) دولار ....
القانون يمنع كل الامتيازات التي يمنحها رجال الأعمال أو غيرهم من أهل المصالح للنواب لكي يمرروا قوانين تحقق مصالحهم على حساب المصلحة العامة .....
وقد تم سحب الحصانة وسجن (4) نواب في الكونغرس لأنهم قبلوا أموالا من متبرعين دون الإبلاغ عنها .
أما في مصر فقد قضت محكمة أمن الدولة في 10 فبراير 2003 بحبس نائب بالأشغال الشاقة لمدة (5) سنوات وعزله من الوظيفة النيابية وحكمت على آخر بالحبس وبالأشغال الشاقة لمدة (15)عام وعزله عن صفته النيابية ورد مبلغ قيمته (6) ملايين جنيه مصري ، ويجيء حبس الاثنان بتهمة الاستيلاء على أراضي الدولة في محافظة الفيوم .
أما في الهند فقد تم طرد (11) عضوا من البرلمان الهندي بعد تصويرهم وهم يتلقون رشى في قضية استجواب وزراء في أحدث سلسلة من فضائح الفساد في أكبر ديمقراطيات العالم .
وفي الأردن تم رفع الحصانة عن نائبين ليس بسبب الفساد وإنما بسبب العراك الذي حصل بينهما في 13/5/2001 في مبنى المجلس فقد أقدم أحدهما على قضم أذن الآخر بعد أن تبادلوا الشتائم والسباب وتحولوا بعدها للقضاء . وفي حادثة أخرى سياسية تم توقيف (4) نواب إسلاميين بتهمة إثارة النعرات التي تعكر صفو الوحدة الوطنية حسب الناطق الإعلامي وبعد زيارة هؤلاء النواب لمجلس عزاء الزرقاوي المتهم بتفجيرات الفنادق في عمان، وعلى مدى تاريخ الأردن لم تسجل اية حاله" إستقالة وزير أونائب"بسبب حالة فساد.
نظرة على المجلس الجديد !!
أفرزت الانتخابات الجيدة مصنفات جديدة لم يشهدها البرلمان الأردني على الإطلاق وهي صعود الأثرياء الجدد" رجال الأعمال " وما ترافق من لغط من ظاهرة نقل الأصوات وشراء الذمم والتي تأكدت رسميا " ضبطت حالات " وشعبيا وهي تمثل ظاهرة الفساد السياسي والمرتبط ببيع الذمم و شراء الأصوات واستغلال حاجات الفقراء أبشع استغلال .
وإذا علمنا أن أكبر خطر في قضايا الفساد هو تحالف السياسيين مع مراكز النفوذ المالي في القطاعين العام والخاص ولا بد أن ننوه هنـا إلى أن خطوة إلغاء الجمع بين النيابة والوزارة عام (1997) والتي كانت تمثل جملة من السلبيات أهمها استيزار النواب عديمي الكفاءة ، ولنتصور حجم الفساد لنواب" البزنس" حاليا أو " الأثرياء الجدد " عند جمعهم الوزارة والنيابة " استغلالهم الحصانة للثراء " يقابله على الجانب الآخر الخطأ الكبير لمجلس النواب الرابع عشر عندما أسند هيئة مكافحة الفساد إلى رئاسة الوزراء مما جعلها هيئة حكومية لا تتمتع بالاستقلالية التامة ؛ "علما بأنه يوجد في رئاسة الوزراء دائرة للفساد وتراقب الإنفاق العام " وتأتي هذه الخطوة مكملة للضغوط الحكومية على مجلس النواب !!
مطلوب تفعيل القوانين الايجابية مثل قانون إشهار الذمة "حسن السيرة المالية " وهو أحد قوانين النزاهة الوطنية ، وقانون مكافحة الفساد وقانون غسل الأموال وقانون المظالم وقانون الحصول على المعلومات ؛ وقانون إشهار الذمة الذي صدر أخر عام (2006) و الذي يهدف إلى عدم استغلال السلطة ومنع الثراء غير المشروع نتيجة استغلال الوظيفة .
إن قيام حكومة الذهبي بإشهار الذمة وقيام النواب أيضا بإشهار الذمة أمور إيجابية وحبذا لو ترافقت بتفعيل القوانين السالفة الذكر مع ترافقها تشكيل لجان مستقلة ومرتبطة بالقضاء مثل " تشكيل لجنة للقيم البرلمانية " تحد من الانحراف والتجاوز للقوانين من قبل النواب أسوة بقوانين القيم المعمول به في كثير من الدول،وفي الشريعه الإسلاميه مساحه واسعه لحقوق الفرد والحريات والحكم والتشريع .
- يجب احترام القوانين التي تعمل بموجبها كلا من السلطتين " التشريعية والتنفيذية " والتي محصلتها خدمة الوطن ؛ يتم ذلك بزيادة مساحة السلطة التشريعية في بعدها الرقابي ومنها الرقابة على سلوك أعضاء مجلس النواب أنفسهم!!!
dr.roud@yahoo.com