وحدة ثقافية اجتماعية قبل السياسية *د.فيصل غرايبة
03-02-2013 02:45 PM
يتزايد الحديث اليوم عن العلاقة السياسية بين الأردن وفلسطين، وتطرح الصيغة الكونفدرالية بين الأردن والجزء المنوي إعادته إلى السيادة الفلسطينية من فلسطين، وكأنها نهاية المطاف للحل النهائي للقضية الفلسطينية، مع تأكيد الأردن، منذ وتوقيع معاهدات السلام في التسعينات الفائتة،من أن أية صيغة وحدوية بين الشقين لن تقوم، ولن تبحث إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المنشودة، احتراما للإرادة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتقديرا لنضاله من أجل الهوية والكيان والاعتراف الدولي.
وتحضرني بهذه المناسبة ما رواه الحضور- فيما بعد- عن أنهم كانوا في حضرة المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين، ومن ضمن الوفد الفلسطيني وعلى رأسه الزعيم الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)،في الديوان الملكي الهاشمي العامر. حين قال الرئيس عرفات: يا جلالة الملك إن علاقة الفلسطينيين بالأردنيين "علاقة توأميه سيامية"، أي بجسدين متلاصقين خلقة ونشأة، وهو يعبر بذلك عن اللحمة الواحدة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين الجارين الأردني والفلسطيني، فإذا بالملك الحسين يجيبه مصححا وموضحا: "لا بل إننا بيضة واحدة بصفارين"، وكان هذا التوضيح يعبر عن أصالة العلاقة وديمومتها وحميميتها.
تتأكد هذه الوضعية الوطنية والقومية كل يوم حيث تثبت أن الوحدة الثقافية الاجتماعية بين الشعبين الشقيقين قائمة وراسخة، في الوجدان والمشاعر كما في الأعراف والتقاليد والتصرفات اليومية، وامتدت إلى قطاع غزة بصورة عفوية ووجدانية أيضا مع انه لم يكن في حالة وحدة دستورية مع الأردن قبل حرب حزيران 1967، وما زال هناك تباعد جغرافي،رغم أن الأردن قد التزم بالقرار العربي والرغبة الفلسطينية واتخذ قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، وما يزال يحترم هذا القرار ويتقيد بأحكامه ويطبقه في إجراءاته الرسمية وفقا للأصول المتبعة.
لذلك فان هذه العلاقة المتميزة التي يقتضينا الحال أن نحافظ عليها لا تلغي الأخذ بعدة اعتبارات لدى الطرفين، فالأردن بلد يصون الدستور ويتقيد بأحكامه، وهو يتميز بأنه لم يعطله ولم يلغيه ولم يتجاوزه منذ وضعه وصدوره في عهد المغفور له الملك طلال بن عبد الله الأول، وبفعله يسيد الأردن القانون ويتعامل مع مواطنيه بطريقة مؤسسية إلى أبعد الحدود. أما فلسطين فتناضل من أجل التحرير وإقامة الدولة المستقلة على ترابها الوطني، وهذا حق مشروع ونضال شريف تساندها الأردن فيه كما العرب والعالم الحر.
إن احترام هذه الاعتبارات وتقبل ما يقتضي الأخذ بها، هو الذي يحافظ على العلاقة التي تأخذ شكل بيضة واحدة بصفارين، بحيث لا يمس صفار من حرية الصفار الآخر في المحافظة على سير حياته الطبيعية الآمنة المستقرة بآليات عملها وقانونيتها ودستوريتها، في بيئته الطبيعية ومناخه الملائم، حتى يتمكن من دعم الصفار الثاني في سعيه نحو مستقبل حر على أرضه التاريخية وبهويته الوطنية، وأن لا يدع مجالا لاعتبار قضيته مجرد تخصيص حيز جغرافي يمارس فيها مواطنته ويستطيب له العيش فيها وفقا لمصالحه الآنية وترتيباته الحالية الخاصة،بحيث يقدم حجة قوية عليه لا معه في قضيته الأساسية ونضاله المشروع.
وكما أن وجود بيضة واحدة بصفارين يعتبر حالة استثنائية تبعث عادة على الارتياح والابتهاج لدى صاحبها، فانه مطلوب منا نحن الأردنيين والفلسطينيين أن نحافظ على هذه الحالة الاستثنائية في العلاقة فيما بين الشعوب والدول، وبمعنى أدق بين قطرين داخل المنظومة العربية، في أجواء من الارتياح والابتهاج، وفي وضع من الارتياح والابتهاج، لتبقى نموذجا حيا دائما بين نماذج عدة ومحاولات عديدة للوحدة والاتحاد بين أقطار عربية ما تزال تمعن بالتفسخ والانقسام الذين ينجر عنها مزيد من الضعف والاهتزاز.
dfaisal77@hotmail.com