عبد العزيز العطي إذ يتذكر ويكتب
جهاد المنسي
03-02-2013 01:33 PM
ليس من السهل الكتابة عن قامة مناضلة ووطنية كقامة "أبو الوليد"، وقبل أن ينصرف الفكر إلى أشخاص آخرين يحملون الكنية عينها، فإن المقصود هنا المناضل الشيوعي عبد العزيز العطي.
العطي أراد وهو يدخل في عقده الثامن (أطال الله في عمره) التوثيق لرحلة طويلة عايشها منذ نعومة أظفاره وحتى الان، فاختار لمذكراته عنوان "رحلة العمر.. من شاطئ غزة إلى صحراء الجفر" سرد فيها مسيرة حياته المليئة بالنضال والصبر والعمل.
عرفت أبو الوليد شخصيا قبل نحو 25 عاما، في فورة شبابي، وقبل أن أتعرف إليه لطالما تحدث والدي (أطال الله عمره) عنه بكثير من الإعجاب، وكان يحرص من حبه له على زيارته بين فينة وأخرى في مدينة الرصيفة حيث يقطن، فيتبادلان حديث الذكريات والحاضر.
في مذكراته التي تقع في 280 صفحة من القطع الكبير، أعادنا العطي إلى زمن مناضلين آمنوا بفكرتهم، وعملوا لأجلها دون النظر في تبعات ذلك.
آمن أبو الوليد بالعدالة الاجتماعية، والمساواة، والحرية، والديمقراطية، وسيادة القانون، وعمل من اجل أردن وطني ديمقراطي، وتصلب في الدفاع عما يؤمن به دون أن يفت في عضده ما لاقاه في السجن، وما عاناه من تشرد أو مطاردة، ودون أن يرف له جفن للتفكير في التراجع عما يؤمن به وما يعمل من أجله.
يأخذك أبو الوليد في مذكراته، لنضالات جيل أسس لمرحلة فكرية متطورة، جيل تحدث عن مفردة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في أربعينيات القرن الماضي قبل أن يفكك حروفها الكثير ممن يتسنمون المنابر الان ويتشدقون بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.
نعم آمن بالفكرة، ونبل الهدف عندما كان البعض ممن يلهجون بالكلام عن الديمقراطية الآن يمارسون خلاف ذلك في فترة الأحكام العرفية، ولم يفكروا أبدا بالمطالبة بإطلاق سراح أو الإفراج عمن كان يطالب بالحرية.
ما يزال عبد العزيز العطي كما هو لم يتغير، يدافع بقوة عما يؤمن به، ولا يتردد في تحديد موقفه من القضايا دون أن يراعي موقف فلان أو علان، ما يزال صلبا يطمح بعدالة أشمل، وديمقراطية أوسع، وحريات أعمق وأعم.
العطي أسس مع جيل من المناضلين عصبة التحرر الوطني في الأربعينيات، التي وقفت بقوة ضد الاستعمار الانجليزي للأردن وفلسطين، وأسس الحزب الشيوعي الأردني، في بداية الخمسينيات وتسنم لاحقا موقع نائب الأمين العام، ولم تثنه الضغوطات ولا التشويهات التي عانى منها الحزب في العدول عن فكرته وطموحه.
منذ الاربعينيات حدثت تقلبات كثيرة، وتطورات جمة حصلت، وأبو الوليد لم يتغير ولم يتراجع، هو المبدئي، والنقي، والإنسان، وأيضا الصلب العنيد في الحق، المناضل لمصلحة شعبه ووطنه، يرفض المساومة أو التراجع.
اختلف مع البعض الذين رأوا أن السياسة أحيانا فن الممكن، ويتوجب التراجع خطوة للتقدم أخرى، وهو كان يرفض فكرة التراجع عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية والمبادئ والأفكار.
مذكرات العطي تأخذك لجيل صنع حروف النضال، وصاغ أبجديات العمل السياسي. تنقلك سلاسة أبو الوليد وبساطته لكل ما مر طوال السبعين سنة الماضية، والتطورات التي حصلت في الأردن وفلسطين والمنطقة بشكل عام.
في المذكرات كلام ربما ضايق البعض، وآخر يفرح فريقا آخر، ولكن هذا هو أبو الوليد صادق عفوي لا يجامل عندما يريد أن يكتب التاريخ.
jihad.mansi@alghad.jo
"الغد"