التحديات الكبيرة والصورة المهشمة أمام نواب الـ«17»
محمد حسن التل
03-02-2013 05:08 AM
يدلف نواب المجلس السابع عشر، في العاشر من هذا الشهر، تحت قبة البرلمان، إعلانا عن البدء الفعلي لعمر هذا المجلس. وتشكل هذه الدورة، العتبة الاهم لهم والأصعب، لأنها تأتي وسط تحديات كبيرة وعميقة وجسيمة تواجههم. أهم هذه التحديات، أن صورة الحياة النيابية، بشكل عام، تهشمت في ذاكرة الناس، لأسباب متراكمة، أهمها العبث في الانتخابات، في المرات الماضية، وإفرازات هذا العبث، لنوعية النواب، الذين دمروا بأدائهم السيىء، الدور الحقيقي للنائب، ثم الاداء السيىء، بشكله العام، الذي يجمع عليه الناس، في المجالس السابقة، في العقد الماضي. ونواب المجلس السابع عشر، أمامهم مهمة صعبة ومعقدة وشاقة، لإعادة الاحترام والهيبة لصورة النائب، في ذهن المواطن، الذي بات منذ سنوات طويلة، يشير باصبع الاتهام إلى النواب، حيث ترسخت في ذهنه، أن النائب، لا يلهث وراء الدخول إلى مجلس النواب، إلا من أجل مصالحه الخاصة وبرامجه الذاتية، والذي ساعد على ترسيخ هذه الصورة، هو الأداء السيىء، الذي مارسه معظم النواب، في العقد الأخير، حيث تحولوا إضافة إلى نواب خدمات لمناطقهم وعائلاتهم وحاراتهم، إلى ألعوبة بيد كثير من الجهات الفاعلة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، في المجتمع، من أجل غايات، تسعى إليها هذه الجهات، اضافة الى فشل المجلسين السابقين، في محاربة الفساد، ولم يكن هذا الفشل، في الكشف عن ملفات الفساد فقط، بل اتهم النواب، بأنهم ساعدوا على تضييع الحقيقة، في هذه الملفات، وكشف أقطابها، الامر الذي ساعد، على تكريس الصورة القاتمة، في ذاكرة المجتمع الاردني.
يدخل نواب المجلس السابع عشر، وهم محملون بإرث ثقيل ومقيت، ولهذا عليهم، بل ومن واجبهم، أن يبدأوا بمحاولة جادة، لتغيير ملامح هذا الواقع، من خلال اعتبار كل نائب منهم نفسه، نائب وطن وأمة، وليس نائب بضعة آلاف من الأصوات فقط، أوصلته تحت القبة، واضعا نصب عينيه، أن أداء النائب في هذه المرة، يقع تحت المجهر الشعبي، حيث سيحاسب على كل كبيرة وصغيرة في أدائه، ويتحتم على كل نائب، أن يدرس دراسة عميقة، كل موقف يريد أن يتخذه، إزاء كل قضية من قضايا الوطن، وهذا لا يأتي، إلا عبر تحصين نفسه بالنزاهة والموضوعية وصقل ثقافته التشريعية، مستفيدا من الأجواء العامة، التي ألقت بظلالها، على الحالة الأردنية بكاملها.
وهنا تبرز بقوة، أهمية تشكيل الكتل النيابية داخل المجلس، لإيجاد قاعدة صلبة للاداء العام للنواب، وعندما نشير إلى فكرة هذه الكتل، تحضرنا صورة التجارب السابقة، الفاشلة لهذه الفكرة، حيث كانت الكتل النيابية، تظهر فقط، عند انتخابات المكتب الدائم لمجلس النواب ولجان المجلس، او في حالة تشكيل الحكومات، وإن كان الموضوع الاخير، أخذ طابعا شكليا في الفترة الأخيرة، ثم فجأة، تختفي هذه الكتل وتذوب، تحت وطأة الخلافات، على المكاسب الشخصية.
اليوم، كل شيء مضى؛ فالشارع الاردني، تغيرت ذهنيته، وتغير سلوكه السياسي، وأصبح هو المحرك الرئيسي للأحداث، ولم تعد «الهمبكات السياسية» تقنعه، والخطابات الفارغة لم تعد تجد عنده اذنا صاغية؛ فالحراكات الشعبية، التي امتدت على مدار عامين، هي التي أوصلتنا إلى المجلس السابع عشر، وفق قانون جديد، وإن لم يلقَ التوافق المطلوب، ولكنه بالنهاية، أفرز مجلسا جديدا، بمواصفات جديدة وبمهام جديدة.
على النواب، أن يثبتوا من اليوم الأول لعملهم تحت القبة، أنهم على مستوى التغيير، الذي حدث على الذهنية الاردنية وفي الشارع الاردني، وان سلوكهم، يجب أن يرتقي، إلى مستوى اللحظة التاريخية، التي يمر بها الاردن، وان يستفيدوا -كما قلنا- من حالة الانفتاح، التي وفرتها الدولة والشعب لهم، ليتفاعلوا مع الدور المطلوب منهم، تفاعلا إيجابيا. وأول امتحان سيواجه جدية النواب، في التعامل مع القضايا الوطنية، هو قانون الانتخاب، حيث سينظر الجميع، كيف سيتعامل هؤلاء النواب، مع القانون، هل سيبقونه كما هو، على أساس أنه صاحب الفضل بإيصالهم إلى البرلمان!! أم سيقدمون المصلحة العامة، على المصالح الذاتية، ويفتحون ملف هذا القانون، تعديلاً أو تغييراً، حتى تزول العقبة الكبرى، من الشارع الأردني، أمام التوافق الوطني المنشود، حول قانون، يرتقي إلى مستوى الحالة السياسية، التي يعبرها الأردن.
كما ان هناك قوانين كثيرة تمس حياة الناس على مستوى الوطن،سيراقب الجميع الاداء النيابي ازاءها ، يقف على رأسها قانون من اين لك هذا ،الذي طال انتظار الشعب الاردني له، كذلك قانون ضريبة الدخل، وقانون المالكين والمستاجرين، وكثير من القوانين الهامه التي يرقبها المواطن الاردني.
وسينظر الناس أيضاً، إلى مدى تزاحم النواب على الوزارة، عندها فقط، ستفرز القواعد الشعبية، نائب الوطن، عن نائب المصلحة الذاتية والطمع الشخصي.
إذا تجاوز النواب، موضوع التوزير المباشر لهم، واكتفوا بترشيح أسماء من خارج المجلس، للمشاركة في الحكومة، عندها فقط، يعطون إشارة إيجابية للشارع الأردني، إذ يتمسكون بدورهم المقدس، المتمثل في الرقابة والتشريع.
في مقابل هذا كله، علينا نحن كمواطنين وقواعد شعبية، أن نساعد النائب، وأن ندفع باتجاه أن يكون نائب رقابة وتشريع، لا نائب خدمات، لتعيين أذنة ومراسلين؛ لنعترف اننا نحن الذين مسخنا دور النائب ، حيث اردنا منه، أن يقدم لنا خدمات فتح الشوارع والتعيين في وظائف القطاع العام والخاص،ودفعناه تحت الضغط ان يقف على ابواب المسؤولين الحكوميين وغيرهم ارضاء لقواعده الشعبية ، وعينه على اصوات هذه القواعد في الدورات القادمة، لان هذه القواعد للاسف لا تحاسب النائب على ادائه التشريعي والرقابي بل تحاسبه على مدى الخدمات التي قدمها لهم، الأمر الذي أنساه وأنسانا، الدور الحقيقي للنائب، وهو الرقابة على أداء الحكومات، والدور المقدس في التشريع.
المجلس السابع عشر، ربما لا يختلف كثيراً في نوعية أعضائه، عن المجالس السابقة، لكن الاختلاف الكبير، يأتي في الظرف، الذي جاء فيه هذا المجلس، والتحديات الكبيرة، التي تنتظره، في جو وطني متأهب، وظرف إقليمي ملتهب.
الدستور