"سيل الزرقاء " يعود لمجده الغابر
اسعد العزوني
02-02-2013 10:56 PM
بعد أن من الله على المنطقة برمتها هذا العام، ومن ضمنها الأردن بالخير الوفير ،الذي تمثل بهطول مطري وثلجي غير مسبوق ،عاد "سيل الزرقاء" إلى طبيعته نهرا عظيما كما وصفه المؤرخ ياقوت الحموي،بعد أن كان سيلا خفيفا من المياه العادمة،وإرتفع منسوب مياهه بصورة قياسية، وبات يرى بغير ما كان عليه حاله قبل الشتاء الحالي.
التحذيرات الرسمية توالت من قبل المسؤولين في محافظة الزرقاء، للسكان القاطنين بالقرب من هذا النهر، الذي يتوقع له زخما مائيا سيؤدي حتما إلى فيضانه، في حال صدقت التنبؤات التي تقول أن الأردن في الأيام القليلة القادمة، سيتعرض لمنخفض قطبي يفوق المنخفض الأخير بثلاث أضعاف ،حيث هطول المطر والثلج سيكون مهولا.
ينبع هذا النهر أساسا من العاصمة عمان حيث مياه جبالها السبعة تتدفق في الشتاء بغزارة ،ويتجه شرقا عبر منطقة عين غزال التي كانت مشهورة بعيونها العذبة،فالرصيفة ثم الزرقاء وينحني 180 درجة بإتجاه وادي الأردن قاطعا جرش وعجلون ويصب في بحيرة جرش .
كان في الأزمان الغابرة نهرا عظيما متدفقا ،ومنطقته مأهولة وتربتها خصبة مزروعة بما لذ وطاب من المزروعات ،وكان فيها سوقا للسمك.ويبلغ طوله 70 كم وعرضه من 7-10 امتار.
أطلق عليه الصليبيون نهر التماسيح بينما الرومان اسموه نهر التمساح ،والفرس سيل التمساح ،أما أهالي الزرقاء فأطلقوا عليه ط المسبعة" نظرا لكثرة السباع الضارية في المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تحول هذا النهر العظيم إلى سيل واه شأنه شأن منطقة عين غزال ونهر الأردن ،مع أن لكل من هذه المصادر المائية خصوصته؟
الجواب على ذلك بالنسبة لنهر الزرقاء هو أن كثرة المصانع في تلك المنطقة قد مارست عليه إعتداء سافرا ،فعلاوة على شح الأمطار ،فإن هذه المصانع قد حولته إلى مكب وأصبحت مياهه الخفيفة مياها عادمة.
ما نتحدث عنه يقودنا إلى التحولات التي ظهرت هذا العام ، على نهر الأردن ونهر اليرموك وكافة مكامن المياه الأردنية السطحية ،وبالتالي فإن الخير عم بالتأكيد على المياه الجوفية أيضا ما يبشر بغنى مائي إذ يتوقع في الربيع المقبل أن تتفجر العيون مياها عذبة من باطن الأرض .
لكن المواطنين يتخوفون من عطش إعتادوا عليه صيفا ،رغم ما هطل من أمطار وثلوج،إذ إعتدنا منذ مطلع شهر آذار من كل عام ،أن نسمع من المسؤولين في الجهاز المائي الأردني ،مفادها أن الأردن سيعاني من عطش في الصيف المقبل.
يبررون هذه التصريحات التي يقصفوننا بها خلال شهري آذار ونيسان،بأن تسريبا كبيرا طال السدود المائية المقامة في الأردن ،وان هذه السدود أصلا تعاني من عيوب " خلقية" ،ولا ادري ما سر تكرار هذه التصريحات والإتهامات للسدود بأنها تسرب المياه ،علما ان الوضع الطبيعي هو اجراء صيانة دورية لهذه السدود.
هذا العام تحديدا وأتحدث عن الهطول المطري والثلجي الأخير "هذه الأيام" تمتع الأردن بغزارة مائية ملحوظة، سبقها بطبيعة الحال هطول خير مهيب من المطر والثلج،ففي الجنوب رأينا فيضانات وهطول ثلج وفي إربد شمالا كان الوضع لا يختلف ،حتى أن الزرقاء نفسها فرحت بنصيبها الوافر من الهطول هذا العام.
أين تكمن المشكلة؟العيب ليس في السدود بطبيعة الحال ،بل في طريقة التعامل مع المياه التي نتركها تتسرب غربا حيث " إسرائيل" تتمتع فيها كيف تشاء ،في حين يشتكي الأردنيون من إنقطاع المياه في الصيف ،ولست مبالغا إن قلت ان هناك هذه الأيام وفي عز الهطول المطري والثلجي ،من يشتكي من إنقطاع المياه عن منزله.
يبدو اننا إستمرأنا الشكوى الدائمة من شح المياه وإنحباس الأمطار وثقوب السدود ،رغم ان المشكلة هي غير ذلك فنحن لم نلتفت جديا إلى قضية الحصاد المائي والتعامل مع مياه المطار على طريقة الأجداد ،أي أن نكثف من حفر الآبار وأن تشترط الجهات المعنية ،على من يريد البناء ان يحفر بئرا للحصاد المائي قبل الشروع في البناء ،فمياه الأسطح لا يجب ان تذهب هدرا ولها إستعمالاتها.
لا بد من الحفاظ على مياهنا حتى لا تتسرب غربا وعلينا أن نعيد النظر بإتفاقاتنا مع إسرائيل وتحديدا بخصوص مياه آبار منطقة الباقورة التي يصفها أهل المنطقة بأنها عبارة عن شهد العسل ،لكنها باتت من نصيب المستعمرين الإسرائيليين.