سامي الزبيدي . بوح مؤجل ؟!
ممدوح ابودلهوم
02-02-2013 01:52 AM
المبدع الحقيقي، ابتداء، بالذي يتركه وراءه بعد رحيله من مؤلفات أدبية ومذخورات فكرية وقل مثل ذلك عن الكتابة الصحفية والتحليل السياسي، هو خالد مقيم ينال أجر الشهادة حي في السماء فالشهداء (أحياء عند ربهم يرزقون)، ويظفر أيضاً وبذات المرسوم الشفيف لحظوة الذكر، أو بحسب (بوشكين) بمكرمة الضجيج حي على الأرض (كي تحيى لا بد من ضجيج)، فمن ذا من غيارى الأردنيين وشرفاء العرب ينسى المغفور له الحسين الأب طيب الله ثراه بالذي تركه ضاجاً نابضاً وما يزال في العالمين، وكذا الذخر المذخور لدولة الشهيد وصفي التل سيرة ومسيرة .. مؤلفات ومقولات ؟!
أبوح، الساعةَ، أمام الذين لا يعرفوني بأن السر المقيم الكامن كما قرين خانسي وراء عدم كتابتي عن الزملاء المرحومين فايز محمود وعرفات حجازي وحبيب الزيودي، هو الاكتئاب الثقيل الجاثم على صدري بفعل كباش السنين على خراشي الحزين سقماً وإقصاء بعد إذ أورق لدي شجر الستين، ففايز ومنذ خروجه من السجن سكن إلي وسكنت إليه وقد شهدت بسكننا ذاك تشكيل جبهة ثقافية ناهضة القيمة والمقام شخصاً ونصاً، أذكر من بين من بين أقمارها مع حفظ الألقاب إبراهيم العجلوني وإياد القطان وسليمان عويس وراشد عيسى ومحمد جميعان ويحيى القيسي وباسل رفايعة وغيرهم، وفي الرسم أولئك الذين شهدوا عليها أو باركوها من قريب أو من بعيد خالد الكركي ومؤنس الرزاز وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ومن الساسة المثقفين عبد الكريم الدغمي، أما عرفات حجازي فوجعي أنه لم يحضر حفل إشهار كتابي (حد السيف: اشتعالات الإباء الفلسطيني في قراءات كاتب أردني) كما كان الترتيب مسبقاً، وهو الذي قدم له وأهداه لحميمية النص فيه دراسة شفيفة ضافية حول القدس الشريف، بينما وجعي بحبيب الزيودي أن آخر نشاطاته المبدعة كانت هي في إهاب تقديمي بصحبة حسين نشوان في حفل توقيع مؤلفي آنفاً .
أجاهد، قصاراي، لكن دون جدوى أن أهرب من التشخيص لولا أن الأمر وفيما يخص حبيب وسامي لمختلف جداً، فالمبدعان رحلا وهما في ألق الشباب وأوج العطاء الأول شاعراً مبدعاً وصحفياً والثاني صحافياً مبدعاً ومفكراً، ثم أن الاثنين رحمهما الله بدويان من الشمال الذي كان حبيب يجغرفه بتحنان عجيب بسهل حوران، إذ رحلا إلى الرفيق الأعلى وهما في نفس العمر تقريباً وبفقد فجائي سريع جلل ومهيب بالذي يسطره القلب قبل القلم، وحاشى لله أن أسأل كيف غابت السمرة البدوية في الوجهين، وذلكم العمق الندي الذكي في الأعين التي كانت تشع مع القسمات نظرات لماحة وقادة تشتعل عبقرية وألقاً .
ولأن التدبيج، وبيني وبين نفسي بوح مخنوق، هو عن الزميل المرحوم سامي الزبيدي الكاتب الأنبه والبدوي الأنبل، فيجمل بي صراحة العودة إلى التشخيص ولا مناص بأن معرفتي به بدأت قبل قرابة عقد ونيف وتزيد، حين كنت وبحسب مقاييس البروبوغاندا الإعلامية والأدق الدعائية ملء السمع والبصر مشهوراً، بينما كان رحمه الله مغموراً وفق منطوق (تلكم هي الأيام نداولها بين الناس)، ولا من تثريب علي إن أضفت وما زلت أقترف جناية التشخيص بأنه كان لي زاوية يومية في صحيفة الأسواق المغدورة وعلى الصفحة الأخيرة بعنوان (إشراقة الصباح)، قبل عودتي من جديد إلى الرأي التي عشق سامي وعشقت ما زلت، وزوايا في معظم الأسبوعيات كشيحان والحدث وعبد ربه وأخبار الأسبوع في حقبتيها المرحوم عبد الحفيظ محمد ومن ثم عيسى الريموني أيام المرحوم راضي صدوق ثم الصديق جهاد المومني، وبالمناسبة فقد كانت أول بداياتي في صحيفة الحوادث 1970 مع الراحل محمد المسلماني، وتدنوا الملائح فتلين السوانح باستكتابي غير مرة وبتشريف من الأستاذ أحمد سلامة في أسبوعية الهلال التي صدف أن كان المرحوم الزبيدي مديراً للتحرير فيها، حين ضربت وبالمناسبة أسلاك ما تحت فروة رأسي بأن أقدم على خوض الانتخابات النيابية، فما كان من المرحوم أبي خالد إلا أن هاتفني طالباً صورةً لي وبعض المعلومات، كي يدبج ما قرأته صبيحة اليوم التالي مادةً دعائيةً بقلمه السيال في ترشيح جنابي!، أن لفي بردي الراحل/ المقيم الأستاذ الزبيدي رحمه الله أديباً فذاً ناهيك به صحفياً فذاً وبعض آيتي إلى هذا الحكم إصداره لمجلة (المقالة) والتي شأن كل عمل جاد وأصيل لم تنل حظها من الانتشار والاهتمام.
وبعد.. فرحم الله فقيد الوطن وإعلام الوطن سامي الزبيدي رحمة تليق بأمثاله من المبدعين الأردنيين، إذ كان رحمه الله وقد سبقنا بخطوتين كاتباً صحفياً لامعاً وناشطاً سياسياً رائعاً، من حيث أنه احتشد وبما ملك من حنكةٍ وحكمةٍ حاذقتين ومدروستين، جلتهما دربةٌ واضحة سطعت ملامحها لديه في المقالة مقالته والمقالة مجلته، وذلك عبر متانة السبك والعبارة الموحية بإيجازها البليغ والعنوان اللافت والموضوعة النوعية، بما يكاد وبحسب الرافعي أن يبلغ درجة السمو الأدبي و.. إنا لله وإنا إليه راجعون.