مستقبل وخطط لا مراوحة فيهما
حسن الشوبكي
31-01-2013 03:51 AM
قالوا سابقا إن الفشل في التخطيط هو التخطيط للفشل. وبالمعنى المباشر، لا المجازي؛ فإن الفشل كنتيجة يتم التخطيط لها ولا تأتي جزافا. وفي حالتنا، فإن ما وصلنا إليه من أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، يعبر بشكل واضح عن اختبار ثنائية التخطيط والفشل على امتداد سنوات طويلة.
إذا اعترفنا أننا فشلنا، نخبا وشعبا، في رسم ملامح القوة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وفعلت آلة التجريب -وربما التخريب- أفاعيلها، فإن المنطق يقول إن آفاق الحل والتعامل مع الأزمة والانطلاق إلى المستقبل، يجب أن تقدم إجابات عن أسئلة التغيير المجتمعي وفق قناعات صادقة لا ضبابية فيها، وضمن شمولية الفهم والحل. فالإصلاح بمفهومه الشامل لا يقف عند نخبة حاكمة أو حكومة أو أكثر، بل يتعدى ذلك إلى تصويب مسار الفرد ليكون فاعلا في دولته، وأداة بناء وفق نسق لا ريعي بل إنتاجي قادر على التطور.
نعم، المسألة معقدة وشاملة. فحتى لو صلحت سلطات الدولة الثلاث وكان الفرد أسيرا لتركيبة اجتماعية هشة أو غير قابلة للتوافق مع القانون، فإن المنتج سيكون فاشلا. وبذلك، فإن النجاح في العبور إلى بر الأمان ليس سهلا، ولا يكون بحلول جزئية وبدون خطط تضعنا على خريطة طريق تبدأ بنقطة وتنتهي عند أخرى، بعيدا عن المراوحة أو المناورة في مربعات ضيقة.
نحتاج إلى خطة قابلة للتطبيق، بمدة محددة، يقول لنا فيها رجال الاقتصاد والمخططون متى سينتهي عجز الموازنة، وضمن مسار آخر كيف سنتعامل مع عبء المديونية التي يتحمل كل أردني نحو خمسة آلاف دولار من عبئها الثقيل. ويجب أن تضع الخطة التوافقية بداية لشكل الاقتصاد الذي نريد، ونهاية لبند الاعتماد على المساعدات والهبات في الموازنة، وأن تجد حلولا لأزمة الطاقة، وأن تعمل على تعزيز القدرات النوعية والتنافسية للاقتصاد الأردني، سواء في السياحة أو الخدمات، وأن تفعّل القدرة الإنتاجية للمواطن، وأن تذهب إلى أبعد مدى في تقييد الفساد وتحصين المال العام ووقف الهدر وتضييق الإنفاق غير المجدي، وإعادة بناء أنظمة النزاهة في المعاملات والعطاءات وأداء مجالس إدارة الشركات المساهمة العامة.
وثمة تلازم بين مساري السياسة والاقتصاد. وحتى ينجح رجال الاقتصاد، فلا بد من وجود بيئة سياسية ناضجة قادرة على التفاعل مع خطط التقشف وضبط الإنفاق، عبر قاعدة شعبية لسياسيين منتخبين يفعلون ما يرونه مناسبا لبلادهم بدون تلكؤ، وتتاح لهم فرصة الوقت الكافي لإنجاز الخطط عبر شبكة علاقات سياسية صحية.
وفي تقديري أن الإصلاح السياسي والاقتصادي أقل صعوبة من إصلاح المجتمع والأفراد. وهنا لا بد من التأكيد على أن التعليم هو المفتاح الوحيد القادرعلى فك رموز التركيبة الاجتماعية، واستحضار أفضل ما في هذه التركيبة ونبذ السيئ منها. وقد لا نسمع بعد أن يفعل التعليم فعله، عن شغب ومشاجرات الجامعات، واستخدام السلاح في مناسبات أو بدونها، وكل المظاهر التي تعلي من شأن العصبية القبلية على حساب القانون والمواطنة.
من حولنا الكثير من المقدرات وفرص النجاح، ولكننا نحتاج إلى اعتراف صادق، وخطط ذكية بمدد وأهداف واضحة، لمواجهة كل هذه التحديات. ومفهوم الإصلاح لا يبدأ من معالجة عجز الموازنة وتفاقم المديونية، ولا ينتهي أمام إجراء انتخابات نزيهة؛ فالمسألة أكثر شمولية، وتخص الإنسان وعلاقته بالدولة التي يريد.
الغد