كنت اتصور ان الجهات المعنية عن العملية المرورية وعلى رأسها وزارة الداخلية والامن العام قد التقطت الاشارات الملكية حول ضرورة وضع حد لحوادث السير وحوادث الدهس التي تودي سنويا بمئات من الابرياء وتفضي الى خسائر مادية جسيمة ، بالشكل الذي استعرضه جلالته في عدة لقاءات مع المجلس الاعلى للسلامة المرورية .الا ان ذلك قد تبدد حال مطالعتي للقانون المؤقت للسير والذي لم يأتي بجديد على صعيد ترجمة مضامين التوجيهات الملكية بخصوص توفير الروافع المناسبة لتحقيق الامن المروري.

ان ما تعرضت له مواد القانون عبارة عن اعادة تقييم مالية للمخالفات وزيادة قيمها الى الحد الذي لن يكون بإمكان اي مواطن يستخدم المركبة ومن اول مخالفة تحرر له ان يقوم باطعام اهل بيته لمدة شهر بعد ذلك .

انا اتصور ان ما جرى خلال اعادة صياغة مواد القانون هو عملية مزاد على قيمة المخالفات بدون ادنى دراية باوضاع الناس والاثار المالية على المواطن جراء تراكم اكثر من مخالفة عليه.

انا اقول ان هذا القانون لا يصح ان يسمى قانون جديد للسير انما هو قانون جباية جديد ، ولكنني اقترح ان يتم اضافة مادة اليه بتأجيل السداد وبأن تسمح لادارة السير بأن يحمل كل شرطي سير اضافة لدفتر المخالفات دفتر يسجل يسمى (دفتر الدين ) تسجل فيه قيمة المخالفة بأسم الشخص المخالف .

هل من قام بمناقشة بنود القانون الجديد ووضع قيم المخالفات يعيش في الاردن او مر بها، ويعلم اوضاع الاردنيين ومدى تحملهم لهكذا مبالغ تترتب على قيادة مركباتهم .

جلالة الملك قال وبشكل مباشر وطالب بوضع تصور للتخفيف من حوادث السير وحوادث الدهس ولم يطلب ان يتم تغليظ العقوبات المالية لانها ليست الحل .

انا ارى ان المسؤولين اختاروا الطريقة الاسهل لتلبية رغبة جلالته لكن بطريقة لا ترضي رغبة جلالته لأنه دائما ما ينادي ويعمل للتخفيف من الاعباء المعيشية على المواطنين ولان جلالته لم يتصور ان تتم معالجة هذه القضية الكبيرة بهذا الاسلوب العقيم .

ان هناك العديد من الحلول والاليات لوضع حد لحوادث السير غير رفع قيم المخالفات المرورية والتي معظمها لا يكون سببا في حدوث الحوادث المرورية فهل انتهاء رخصة مركبة يسبب حادث دهس لمركبة تقف على باب منزل المواطن وهل وضع ملصقات لاتحجب الرؤيا على الزجاج هي السبب في تصادم المركبات والكثير من البنود التي تم اضافة مبالغ خيالية لقيمة المخالفة المترتبة عليها نسبة لوضع المواطن الاردني وغيرها من البنود التي لاتشكل سببا رئيسيا لوقوع الحادث.

ان المطالبة بتخفيف حوادث السير لاتحتاج لتعديل قانون السير انما تحتاج لتعديل المفاهيم الاجتماعية والتربوية لدى المواطن مستخدم المركبة ومستخدم الطريق وتحتاج لبرامج توعية متواصلة لاتقف عند قرب حدوث مناسبة كيوم المرور العالمي وباقي العام يمر بلا نشاط توعوي مكثف ، انا اعلم ان مديرية الامن العام ومن خلال المعهد المروري له برامج ارشادية وتوعية ولكن ليس بالمستوى والكثافة المطلوبة ، كما ان الشرائح التي تستهدف من هذه المحاضرات لا بد من توسيع قاعدتها لتعم الفائدة المرجوة .

لا اجد غضاضة بالمطالبة بوقف العمل بهذا القانون بالنظر للاثار السلبية للسير بتطبيقة سواء على علاقة المواطن مع رجل السير او علاقة المواطن مع مؤسسات الدولة والتي بات يراها تنظر الى جيوبه دون ادنى اهتمام بما عليه من اعباء يعلمها الجميع.

ما نطالب به هو وضع تصور عملي لوقف نزيف الدم الذي يسيل على الاسفلت ووضع عقوبات ادارية صارمة على كل من يقود بتهور وطيش بسحب الرخصة منه لفترة زمنية او توقيفه او عدم السماح له بالقيادة الى الابد بدلا من التركيز على رفع قيمة المخالفات والتي لن تكون ذات جدوى في التخفيف من الحوادث والخسائر البشرية لان اغلب اسباب الحوادث تكون نتيجة ارتكاب مخالفات متحركة وليس في حالات الثبات .

من يقول لي من سيمنع مخالفات التجاوز الخاطئ والسرعة الزائدة واللتان تعدان سببان رئيسيان من اسباب حوادث الدهس والتصادم ، اين الكادر البشري القادر والكافي لمتابعة هذه المخالفات ، بضع نقاط رادار على الطرقات لا تكفي لان الجميع يعلم اين موقع الرادار ويخفف السرعة عند المرور امامه ومن ثم ينطلق بسرعة البرق .

ليس تعديل او وضع قانون سير جديد هو الحل ، الحل يكمن في احداث الصدمة الفكرية لدى المجتمع من عواقب حوادث السير والطيش اثناء القيادة لابد ان نصل لمرحلة نكون متأكدين فيها ان الاب والام في المنزل وقبل خروج اطفالهم او ابنائهم الى الشارع قد قاموا بتلقينهم واسماعهم النصائح الاساسية للتعامل مع الطريق والارصفة ، باختصار لابد من ترسيخ ثقافة مجتمعية مدنية قبل الحديث عن الحبس والغرامات تفضى الى وقاية المجتمع من آفات حوادث الدهس والتصادم بتفاعل مجتمعي بحت دون تسليط سيف الغرامات غير المعقولة التي اتى عليها قانون السير مع الاحتفاظ بالعقوبات الادارية والقانونية والتي قد تساهم في كبح جنون بعض السائقين وخصوصا فئة الشباب المندفع.
Mahmoud69dabass@yahoo.com