بات من شبه المؤكّد تأجيل افتتاح الدورة غير العادية لمجلس النواب (بعد فتوى المحكمة الدستورية) لمدّة لا تزيد على أسبوع (إلى 10 أو 11 شباط). بعدها ستنطلق المشاورات المكثّفة والسريعة بين الديوان الملكي والكتل النيابية، من أجل تسمية رئيس وزراء. وعندها سيقبل الملك استقالة حكومة د. عبدالله النسور التي قدّمتها أمس، ويكلّف الرئيس الجديد. ووفقاً للتقديرات الزمنية، ستستغرق هذه العملية ما بين ثلاثة أو أربعة أسابيع.
ذلك يقودنا إلى السؤال الأكثر أهمية فيما يتعلق بالمشهد القادم، وهو ما سيترتب على عملية تشكيل "الكتل النيابية"؛ إذ سيحسم ذلك طبيعة الأوزان السياسية، والفرص والحظوظ للشخصيات المختلفة؛ وصورة الحكومة القادمة. وتبدو المشكلة هنا في أنّ مجلس النواب الجديد يضم قرابة 90 نائباً يأتون للمرّة الأولى، وأغلبهم لا يمتلك خلفية سياسية أو حزبية واضحة، ما يمنح الشخصيات المخضرمة فرصة لمحاولة ضم أعداد من "القادمين الجدد" إلى كتلهم، وتقوية حضورهم النيابي، من أجل معركة رئاسة النواب من جهة، وليكون لهم، من جهة أخرى، دور ملموس وكبير في المشاورات المتوقعة لتسمية رئيس الوزراء الجديد.
منذ اللحظة الأولى، نشط رئيس مجلس النواب الأسبق، وزعيم التيار الوطني عبدالهادي المجالي، وراء الكواليس، بعد أن جاءت نتائج الحزب صادمة له، ولعدد كبير من المراقبين. وينافسه على التجميع وبناء الكتل واستقطاب النواب، خصماه التقليديان: عبدالكريم الدغمي، وعاطف الطراونة الذي وإن كانت قائمته قد حققت نتيجة أفضل نسبياً من التيار الوطني في الانتخابات، إلاّ أنّ التحدي الحقيقي سيكون عبر حجم الكتلة النيابية والتحالفات الداخلية.
بالضرورة، هنالك طامحون آخرون إلى لعب دور محوري وأساسي في المرحلة الجديدة، وفي مقدمة هؤلاء حزب الوسط الإسلامي الذي أعلن عن نجاح 18 نائباً له في البرلمان الحالي. وهو حزب الأغلبية، لكنّه ليس –بالضرورة- كتلة الأغلبية؛ إذ ربما نشاهد خلال الأيام القليلة المقبلة كتلاً نيابية أكبر.
مجلس النواب يضم أيضاً مجموعة من السياسيين القدامى والجدد الذين يمكن أن يعيدوا تشكيل "كتلة نيابية" تحاول ملء مقعد المعارضة أو المطالب الإصلاحية في المجلس، في مقدمة هؤلاء النساء اللواتي نجحن بالعودة إلى قبة البرلمان والقادمات الجدد. ويبرز هنا اسم وفاء بني مصطفى التي حقّقت خلال البرلمان السابق سمعة متميّزة، وقدّمت حضوراً كبيراً، وحضرت إلى القبة الآن من خارج "الكوتا"؛ ومعها تمام الرياطي، وميسر السردية، فيما تتجه الأنظار اليوم إلى مراقبة د. مريم اللوزي التي تمكّنت من الوصول إلى القبة خارج إطار الكوتا أيضاً، وتمتلك سمعة متميزة خلال عملها في وزارة التربية والتعليم.
ومن الأسماء القريبة من هذا الخط السياسي المناكف؛ النائب السابق جميل النمري، وعدنان السواعير، ومصطفى الرواشده، وعلي السنيد، وينضم إليهم د. مصطفى حمارنة. وربما السؤال الحالي هو فيما إذا كان هؤلاء وغيرهم سينجحون في بناء كتلة نيابية، أم أنّهم سيتوزعون بين الكتل المختلفة؟ فيما سينشط النواب المحسوبون على طبقة "البزنس" وقطاع الأعمال والتجارة أيضاً في محاولة تشكيل كتلة نيابية، كما حدث في مجلس 2007.
هذا المشهد النيابي وإن كان متشعّباً في تفاصيله، إلا أنه قديم في سماته الأساسية، ونعيد فيه استنساخ نموذج الكتل النيابية الهلامية التي تتجمع على أسس شخصية واجتماعية، لا علاقة لها بالبرامج والأجندات السياسية، إلاّ في حدود بعض الأحزاب والتوجهات المعروفة، لكنّها ليست الطاغية على المجلس، فيما تستمر هيمنة الاتجاه المحافظ على أغلبية المقاعد.
من المتوقع أن يُنتج هذا المخاض المكثّف خمس إلى ست كتل نيابية أساسية، ستترتب عليها مبدئياً الملامح الرئيسة والمهمة لصورة مجلس النواب الجديد. وبالضرورة، ثمة ديناميكيات جديدة ستنتج عبر عملية المشاورات لتشكيل الحكومة، ولمحددات العلاقة مع السلطة التنفيذية. لكن ما نخشاه أن تكون المخرجات الجديدة كالقديمة، ويتحقق المثل المعروف "تسمع جعجعة ولا ترى طحناً"!
m.aburumman@alghad.jo
الغد