إن أساس الدولة الحديثة هو احترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة، التنفيذية، التشريعية، القضائية، ودون ذلك لن تكون أبداً دولة حديثة، ومزايا أي دستور حر تغدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية تعيين السلطة التشريعية والقضائية.
الدولة الحديثة هي الدولة التي تحترم القانون وتقدس القضاء.
إن احترام القضاء، والقضاة ومرفق العدالة هو الذي يتيح للناس الحصول على حقوقهم، وإلا عدنا نعيش في زمن الغابة، إذ يأكل القوي الضعيف ويسعى كل شخص لمصلحته ويذهب الآخرون للجحيم.
للقضاء كما لكل مؤسسة أخرى، قواعد للعمل، على رأسها الحرص التام على حق كلا الطرفين المتواجدين عنده، ومن هنا فإن القاضي يجب حمايته وصيانة استقلاله، وإبعاده عن مؤثرات خارجية تشوش على دراسته للقضايا، وإلا فإنه لا يستطيع أن يحكم بالعدل.
يجب علينا جميعاً ان نضع في اعتبارنا أن الناس جميعاً متساوون أمام القانون وأمام القاضي ولا فرق بين شخص وآخر، فإن استقام القضاء استقامت البلد كلها.
نأخذ مثالاً ففي أمريكا يعطى أعضاء المحكمة العليا وجميع أعضاء محاكم الولايات ومحاكم الاستئناف حق البقاء في مناصبهم مدى الحياة، وللقضاة الفدراليين الآخرين حق البقاء في مناصبهم مدداً طويلة، كأن تكون 15 سنة لقضاة المحاكم المختصة لضمان استقرارهم كما يضمن استقرارهم المادي أيضاً.
أما الأعمدة الرئيسية لاستقلال القضاء هو الاختيار الصحيح للقضاة الذي أساسه الكفاءة والنزاهة.
وينطبق ذلك على كندا وبريطانيا ومعظم الدول الديمقراطية المتقدمة.
لا نستطيع محاربة الفساد ذلك المرض الفتاك دون قضاء نزيه مستقل وعادل.
لقد أصبح الفساد في كثير من دول العالم الثالث متجذراً ومؤسسياً ولاجتثاثه لابد من سيادة القانون وتطبيق التشريعات التي تردع الفاسدين، أما الإدارة العامة والبيروقراطية والتعقيد الزائد عن الحدود وعدم تحديد المسؤوليات والمهام بشكل تفصيلي داخل الجهاز الإداري للدولة، أوجد مناخاً يسمح للبعض بالابتزاز والتهرب من المسؤولية، وهناك أسباب للفساد يتعلق بالبيئة الثقافية والاجتماعية، فهي القبول الاجتماعي للفساد الصغير أو الفساد المستتر والنظر إليه على أنه وسيلة مقبولة اجتماعياً للحصول على الحقوق.
اتخاذ الفساد مسميات متصالحة مع المجتمع مثل الإكرامية وشيوع منطقة الواسطة والمحسوبية، والتعيينات العائلية في مختلف مؤسسات الدولة، كل ذلك سمح للمجتمع أن يتصالح مع الفساد الصغير ويأخذ نوعاً من التطبيع مع الانحراف والفساد صغيرهُ وكبيرهُ.
إن المبادئ الثلاثة التي تعد بداية لتعميق برنامج وطني لمكافحة الفساد، هي الشفافية، والشراكة المجتمعية، والمساءلة.
تعتبر الأعمدة الرئيسية التي يقدم عليها النظام المتكامل لحماية الوطن والمجتمع من آثار الفساد وعواقبه، فيما يرتفع الركن القانوني الذي يجب أن يكون شاملاً ورادعاً، ومنفذاً على المدى الزمني المتوسط والبعيد.
يأتي الإطار الرئيسي الفاعل والذي يتطلب كفاية مالية وبشرية والتنسيق والاستقلالية، ليؤسسان معاً منظومة متكاملة تواجه تغوّل الفساد.
لا ينفصم المحوران أو الركنان السابقان عن الإدارة بشقيها السياسية والمجتمعية، فوجود إدارة سياسية لتطهير البلاد من الفساد والمفسدين مع أخرى مجتمعية حقيقية، تعمل معها وتساندها بالطبع ستثمر عن حماية لمواردنا الطبيعية من الاستغلال، وحماية لمستقبل هذا الوطن من أن يترك منهوباًَ لعصابات الفساد والمفسدين.
dr.sami.alrashid@gmail