إلى «سامي الزبيدي» .. أكتب
عناد السالم
29-01-2013 01:32 PM
إلى (سامي الزبيدي) اكتب.. وكلي فخر أنني أتحدث عن (استثناء)..
أكتب (يا صديقي) وأكتب.. لا أريد ان اكف عن الكتابة..
اكتب وارسمك في كل حرف, على جدران الذاكرة..
لا يغيب عن ذهني آخر لقاء (كان قبل ان تحمل حقيبة السفر وحبك اللامحدود للوطن وتغادر عالمنا باتجاه واحد), كنت احبك عندما تقول لي: (كيف انت يا رفيق).. فارد عليك وانا ابتسم: (لا .. لست رفيقك, بل صديقك.. لا احب كلمة رفيق ولا اؤمن بابعادها الفكرية).. فتضحك واضحك, وتغير الموضوع.. لانك تؤمن باختلاف الآخر, وفكر ومبدأ الآخر.. كنت تحترم اختلاف الرأي وتدافع عن فسيفساء الفكر (كم هم قليلون امثالك في هذه الارض)..
نحزنُ من أجلك؟.. لا.. نبكي عليك؟.. لا..
انت من تعلمنا منه (ونحن ننظر بتمعن لمراحل حياته) كيفية مقاومة الحياة وتعب الحياة..
لكن.. كيف لنا ألا نحزن, والحزن مخزون بأعيننا عليك..
كيف لا.. ونحن الذين حملناك في ذاكرتنا ووضعناك في جنازة لا تنتهي، تماما كما حملنا فكرة الوطن السليم في قلبنا، كم يشبهك هذا الوطن! وكم تشبه (انت) الوطن..!
مضى الوقت على رحيلك.. أتصدقون ان رجلاً كـ «سامي» يسكن اليوم (التراب) ..لا اصدق!.. (يا ويلي) ان صدقت.. (دعوا قلبي يتألم على غيابه, فالحزن مشروع هذه الأيام في جريدتنا الرأي على غيابه).. وأنتم كذلك (دعوا قلوبكم تبكي عليه)..
جنون هذا.. إياكم ان تصدقوا ان هناك مبدعاً يموت.. المبدعون يا أصدقائي لا يموتون, بل يتظاهرون بمسألة الموت.. إنهم باقون في الحياة عبر كلماتهم, عبر ما تركوا لنا..
كم أنت جميل (حتى في غيابك), مشاكس, متمرد, رافض للاقلام الرديئة.. كنت دائما أحس بان الموت رفيقك, والموت دائما رفيق الجمال.. بلغ جمالك حد اللامعقول حين اعلن الموت اليأس الكبير منك وانفجر فيك.. انتحر, انفجر.. لأنك تحمله منذ عقود ولا تسمح له بالخروج من ذاتك.. خرج الآن.. وتكاملتما ببعضكما البعض.. ونحن (ما نحن) .. نحن الذين حملناكم (أنت والجمال والموت) ووضعناكم في جنازة مع الأناشيد التي احببت.. وفي نهاية الامر (ونحن ننظر من بعيد ونودعك انت وزوجتك واولادك خالد وشام وكندة) لم نعرف من نرثي منكم.. فالكل قابل للرثاء..
ربما تعلمت اشياء من موتك السريع..
تعلمت ان اهمس للمبدعين: (إحذروا الموت الطبيعي), ولمن يحملون اقلامهم.. إرفعوا أقلامكم عن الشيء الرديء! لان هذه هي الصيحة الوحيدة التي قالها (سامي) لحظة صمته الفاصل..
تعلمت.. ان حقيقة المأساة تكونت امامنا من حياة إنسان حقيقي ومبدع حقيقي, انسان احترف الصدق (والصدق اغتراب), لماذا كنت مغتربا يا صديقي إلى هذا الحد الكبير؟.. لماذا ارتكبت هذا الإثم الكبير!.
جرب يا (سامي) واخرج من اغترابك.. (صدقني) ستخدعك الحياة مرة اخرى وتموت من جديد, لانك ببساطة لا تصلح الا ان تكون انت.. (انت فقط)..
تبقى فكرة الحديث..
يا ايها المسكون بكل زاوية في «الرأي» (كم نحن مشتاقون)..
يا صديقي.. الكل مصدوم, ومحزون..
يا ايها (الكل).. قولوا للرجال المقيمين في الاعالي أن يترجلوا وينحنوا احتراما لشخص حقق التطابق النهائي بين الابداع والحرية..
انه قدر الله..
enad.salem@gmail.com
"الرأي"