قرار مجلس الوزراء باسترداد ألف دونم لخزينة الدولة والقوات المسلحة، في عمّان والزرقاء، يمثّل خطوة مهمة وإيجابية على طريق إغلاق أحد الملفات الحسّاسة (أراضي الدولة وأملاكها)، التي سبّبت للدولة صداعاً كبيراً في السنوات الماضية، وكانت مصدراً مباشراً لإطلاق الحديث عن الفساد؛ ما هو صحيح منه أو مبالغ فيه!
القرار الحكومي يشمل أراضي دابوق، وجزءا من أراضي المدينة الطبية التي كانت قبل 5 أعوام عنواناً مهماً لأزمة محتدمة داخل مراكز القرار نفسها، وسبباً لغضب أوساط سياسية معارضة. إلاّ أنّ ذلك تزامن مع بداية الأزمة المالية العالمية، وتراجع فرص توفير استثمارات خارجية كبرى فيها، كما كان يطمع مسؤولون اقتصاديون كبار في ذلك الوقت.
جرى لاحقاً توقيع اتفاقية بين مؤسسة الضمان الاجتماعي وصندوق الاستثمار في القوات المسلّحة، تقضي بأن يدفع الضمان 40 مليون دينار لخدمة تهيئة مجمع الأعمال الجديد (كان في الأصل مبنى القيادة العامة الجديد)، مقابل رهن الأرض للضمان. وكانت الاتفاقية/ العقد تقضي أيضا في حال عدم السداد، بمنح الضمان أراضي بقيمة المبلغ المدفوع وفوائده، ما انتهى إلى وضع الضمان يديه على المشروع.
خلال الأشهر الماضية، تم التوصل إلى إنهاء الاتفاقية بين الضمان والقوات المسلّحة. وبموجب ذلك عادت أموال الضمان، واستردّت القوات المسلّحة الرهن، والملكية الكاملة على الأراضي.
القرار الحكومي يتجاوز المجمّع التجاري البالغة مساحته 40 دونما، إلى الحديث عن 1000 دونم في دابوق والمدينة الطبية وحيّ الكرسي المجاور لها، وفي مدينة الزرقاء. وهي مساحة كبيرة، وفي مناطق حيوية بأهميتها المالية والاستثمارية.
إلاّ أنّ الجزء المهم من تصريحات وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء نوفان العجارمة، يتعلّق باستعادة خزينة الدولة الـ20 دونما في منطقة الكرسي، وما عليها من مبانٍ ومنشآت، والتي كانت استولت عليها أمانة عمان بذريعة النفع العام وبناء حديقة تكون متنفّساً للمواطنين، لكنها حولتها إلى منطقة سكنية (أ) ونقلت ملكيتها إلى موظفين كبار في الدولة!
هذه الدونمات العشرون (تساوي ملايين الدنانير) كفيلة بأن تكشف من أين يأتي الفساد والتسيّب في إدارة المال العام. وهما، كما ثبت من خلال أغلب القضايا المطروحة اليوم، يمران عبر انعدام الشفافية والمعلومة، ومن خلال تجاهل الأصول الإدارية والقانونية.
الحجّة التي تمّ بها تحويل آلاف الدونمات من أراضي الدولة إلى مؤسسات وشركات، كانت فتح الطريق للاستثمار، وتحويل هذه الأراضي إلى مصدر للثروة، لرفع قيمتها وأهميتها. وهذا بلا ريب هدف اقتصادي مشروع ومبرّر، لكن الوسيلة التي حدث بها الأمر، والاستهتار بالقانون، وغياب الشفافية والرقابة المؤسسية، كل ذلك جعل من هذا الهدف مظلة للانفلات والتلاعب والتساهل، ولمتنفذين عرفوا كيف يستثمرون هذه الظروف لتحقيق فوائد شخصية كبرى!
هذا القرار يفتح شهيتنا على قرارات وإجراءات مماثلة تنهي هذه الحقبة، وتعيد جزءاً كبيراً من أراضي الدولة وأملاكها إلى الخزينة. وهو ما نتوقع (وفق معلومات موثوقة) أن يحدث خلال الفترة القريبة المقبلة، بإعادة آلاف الدونمات الأخرى، وأغلبها كان لغايات الاستثمار، ولم تتم الاستفادة المطلوبة منها.
الأهم من استعادة الأراضي، هو ترميم السلطة الأخلاقية لدى جميع المسؤولين والموظفين والمواطنين على السواء، تجاه المال العام؛ فلولا انهيار هذه القيم، لما تجرأ نافذون على الاستقواء عليه، ولا سمح مجلس الوزراء لنفسه، والوزراء والمسؤولون، بأن يمرّروا قرارات تمسّ المال العام بتهاون ولامبالاة، بل وبدون أمانة ولا مسؤولية، وبضمائر مهشّمة، فتصرفوا بأملاك الدولة والمال العام بهذا الاستهتار!
m.aburumman@alghad.jo
الغد