المعارضة الأردنية: 'صعوبة الولادة وعسر المخاض'
د. عامر السبايلة
29-01-2013 04:19 AM
'قوتي بادراكي للجانب العملي الذي يؤكد، ان ضرب المرء لرأسه بالحائط، يؤدي الى كسر رأسه وليس الحائط' أنتونيو غرامتشي.
حتى أكثر المتفائلين بالعملية الانتخابية في الأردن كان يدرك تماماً استحالة ان يشكل منتج العملية الانتخابية نقلة نوعية في الشكل السياسي او الايديولوجي للمجلس النيابي. بالرغم من ان بعض المحللين حاول المقاربة بين المرحلة الحالية ومنتج مجلس 1989 والذي جاء على اثر أحداث هبة نيسان المجيدة 1989. أهم ما ميز شكل المنتج الانتخابي الجديد هو عودة كثير من أعضاء المجالس السابقة وخصوصاُ أولئك الذين يعانون من حالة جارفة من الرفض الشعبي، في مفارقة قد لا تحدث الا في دول قليلة، منها الأردن بلاشك.
أما النتيجة الأخرى للانتخابات فتمثلت بفشل بعض القوى المرتبطة بالواقع السياسي الاردني ـ في الثلاث سنوات الأخيرة- من الوصول الى قبة البرلمان. لا يمكن القاء اللوم على الدولة الأردنية بنوعية الخيارات، فهو خيار الشعب نعم، لكــــنه خـــيار مرتبط بأوضاع غير طبيعية، وأساسات خاطئة بنيت عليها التركيبة السياسية في المجتمع الأردني في السنوات الأخيرة. لهذا فإن الدولة الأردنية تخطئ تمــــاماً اذا ما اعتــقدت بقدرتها على التخلص من منتج أخطاء المرحلة الماضية بسهولة (فساد مالي واداري وانتخابات مزورة). الحقيقة أن الآثار السلبية للمارسات الخاطئة مستمرة الى اليوم، وقد يشهد الجميع في الفترة القادمة استعراضات جديدة من قبل الفئة التي لم تستطع الدولة الخلاص منها او تحييدها، ففضلت التعامل معها على مبدأ 'يدك منك ولو كانت شلاء'.
طويت صفحة الانتخابات في الأردن مؤقتاً، وبغض النظر عن نوعية مجلس النواب القادم، يجب على كل قوى المعارضة (المقاطعة والمشاركة بالانتخابات) عدم الالتفات الى مخرجات العملية الانتخابية أبداً، حيث ان هذه الانتخابات قد تمثل واقعا مجتمعيا لكنها لا يمكن ان تمثل واقعاً سياسياً محتقنا. لهذا فالتحدي القادم هو انتاج قوى معارضة حقيقية، قادرة على فرض شكل من أشكال التغيير السياسي على الواقع الأردني. وهذا يجب ان يبدأ عبر التحرر من حالة السلبية والعدمية التي ولدها مناخ الاحباط السياسي السائد. لهذا على جميع القوى والافراد المتضررين من منتج التمثيل السياسي الأردني الاقتناع بأن التغيير لا يمكن أن يتم دون مشاركة حقيقية فعالة على الأرض تبدأ بانتهاج سياسة التواصل بين القوى المختلفة من أجل التوحد تحت مظلة تقدمية ذات طابع تعددي. عامل التوحيد الأكبر لمختلف القوى الذي يبرز اليوم، ويملك القدرة على استنهاض الأغلبية الصامتة هو رفض هذه الشرائح لاختطاف المشهد السياسي من قبل قوى الانتهازية التقليدية. فالشباب الأردني الذي قاتل من أجل استعادة حقوق الأردنيين وأوقف حالة الاستبداد السياسي والاداري وسلب مقدرات الدولة، يستحق ان يضطلع بدوره الشرعي في ادارة الدولة الأردنية في الحقبة الجديدة القادمة. فلولا هذا الحراك الذي مارس دور قوى الضغط الشعبي باتجاه وقف التغول على المال العام، وسيطرة الفرد المطلقة والهوائية في اتخاذ القرارات وتعيين الشخوص، لما اضطرت الدولة الأردنية ان تراجع سياساتها السابقة برمتها، لهذا تستحق هذه الفئة أن تلعب دورا رئيسيا في ادارة المشهد القادم.
لكن في الوقت نفسه لابد من ولادة معارضة أردنية حقيقية، وهذا لا يمكن ان يتم دون الشروع في بناء دوائر تواصل تعمل على خلق حالة توافقية بين النشطاء، وخلق أدوات ضغط تعمل على تحفيز الأغلبية الصامتة واستنهاضها من أجل ترسيخ قناعة ضرورة التحرك والتخلي عن سلبية العزوف عن المشاركة في العمل السياسي. هذا التحدي ليس جديداً على التاريخ البشري، فالتراث الأفلاطوني، يشير صراحةً الى خطر العزوف عن العمل السياسي، وذلك ببساطة لأن المرء يحكم ممن هم دونه. اذاً، المهمة بلاشك ليست سهلة، فعقبة الموروث الشعبي والحظر السياسي التي رسختها أنظمة اللون الواحد عملت على تشويه صورة المعارضة وتصنيفها في خانة العداء وفي بعض الاحيان اسقاطها في اطار التخوين، لكن في الحالة الأردنية بالذات، تتميز المعارضة غير الممنهجة 'الحراك الشعبي مثلاُ'، ببدء التحرك لاعادة ضبط البوصلة السياسية، فكان اقرب الى شكل حركة تصحيحية، لهذا فان اختارت الدولة الأردنية اليوم المضي قدماً في محاكمة الفساد والتغيير، فلا بد من التذكير ان هذا لم يكن خياراً أصيلاً للدولة بل فرض عليها من قبل قوى مجتمعية ناشئة. لهذا فان تأطير هذه القوة ضمن مظلة سياسية جامعة، سيشكل ولادة للمعارضة الحقيقية القادرة على تشكيل حكومة ظل ضاغطة، وقادرة فرض أجندتها السياسية والاقتصادية وحتى شخوصها مستقبلاً.
بالرغم من ذلك، على الأردنيين المؤمنين بضرورة المشاركة في بناء 'اردن أفضل' أن يدركوا أن التغيير هو عملية طويلة ومعقدة، كما هي خارطة طريق الإصلاح السياسي. وان فكرة تنازل من يملك السلطة عن سلطته طوعاً هي ضرب من ضروب الخيال، لهذا فإن انتهاج سياسة المقاومة السياسية المنظمة هو ما يمكن ان يدفع أصحاب السلطة ان يتنازلوا عن سلطاتهم. ولعل الأردنيين مازالوا يواجهون واحدة من أخطر أمراض الدول المتعلقة بالحالة الأولغاريكية 'الاقطاعية التي تستأثر فئة معينة بالسلطة وبتحديد مصير الملايين من البشر، وتقوم بفرض نفس الشخوص سواء كان ذلك في مبدأ الحكومات المعينة، او في الخيارات 'الشعبية' كالبرلمان مثلاً. لكن لابد من التذكير ايضاً أن هذه الشخوص، هي شخوص باتت مرفوضة على الصعيد الشعبي مما سيؤدي لاحقاً الى فقدانها للصلاحية السياسية وبالتالي سيكون النظام السياسي عاجزاً عن اعادة توظيفها حتى لو رغب بذلك.
الحلم الديمقراطي الأردني لا يمكن أن يتحقق كنتيجة للانتخابات البرلمانية الأخيرة التي لا تمثل الحراك السياسي الحقيقي داخل المجتمع الأردني. مع ذلك، ان ولادة المشروع الديمقراطي الأردني، هو أمر لا مفر منه كنتيجة حتمية لتطور الفكر البشري. لهذا لابد للقوى الناشئة من اقتحام المشهد السياسي المهيمن عليه من قبل القوى التقليدية والرأسمالية والظهور بصورة الند الشعبي لهذه القوى المتكلسة. لهذا يجب على كل هذه الحراكات الجديدة تبني سياسة 'التقارب' التي تهدف الى تبادل صيغ التفاهمات الهادفة الى صياغة منظومة معارضة موحدة. أما الدولة الأردنية والتي مازالت تدعي رغبتها بالاصلاح السياسي والتمكين الديمقراطي، فمن الممكن لها أن ترسل رسائل حقيقية بعيداً عن الشعارات والمبادرات، عبر التطبيقات الفعلية على الأرض. حيث أنه من المستحيل على أي شخص يؤمن بالديمقراطية أن يأمل بدعم الدولة لهذه القوة الناشئة من أجل دخول البرلمان، لكن يبقى امتحان حسن النية مرتبط بقدرة الدولة على احداث ثورة بيضاء انقلابية على نمط وسلوكيات ادارة الدولة وشخوصها. فالتحول الديمقراطي الأردني لا يمكن أن يتم الا عبر أدوات وشخوص ديمقراطية تنتمي لمرحلة التحول والتغيير، اما ان اصرت الدولة على الابقاء على منتجات الماضي فلا شك ان الصدام الذي يتجاوز الحالة الفكرية قادم وهو ما قد يمثل عامل التفجير الأخطر مستقبلاً.
القدس العربي