تبدلت أسماء وصفات مثلما تغيرت تضاريس سياسية وتربويات وطنية، فلم يعد اليمن ذلك السعيد، ولم تعد الشام غوطة وسبعة أنهار بعد أن قال الماغوط ان ماء بردى بدد في الغرغرة وأصبح ظامئاً. ولم تعد فلسطين أرض العسل، وبعد أن كانت الجزائر بلد المليون شهيد وشهيدة أوشكت أن تصبح بلد المليون مختطف ومختطفة منذ بدأت تلك الحقبة الدموية التي يسميها الجزائريون العشرية السوداء.
وبهذا المقياس لم تعد بور سعيد تحمل الاسم ذاته بعد أن شيعت السعادة مع العشرات من قتلاها، وحدث بالفعل أن اغلقت هذه المدينة الباسلة حدودها كما لو أنها اقليم يعلن العصيان، ذلك لأن ما سال من دم أثار شهية القتل المتبادل، وكانت بور سعيد في ذاكرتنا القومية عاصمة المقاومة في مصر وعلى ضفاف القتال خصوصاً في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
اليمن لم يعد سعيداً وكذلك بورسعيد لم تعد سعيدة، انها الآن بور شهيد، ومن يدري لعل المسبحة تكرّ وتشمل متوالية الانتحار الاهلي قلادة المدن كلها على السواحل وضفاف الأنهار وفي عمق الصحراء!
ما كان لأكثر العرافين تشاؤماً ان يتوقع لمصر ما هي عليه الآن، البلد الذي اقترن اسمه بالأمان لمن يدخله ولمن يعيش فيه، وبلد الثورات البيضاء ووداع العهود السابقة بما يليق بتقاليد بلد عريق.
ما كان لأي عراف ان يتجرأ لتوصيف المشهد الذي نراه على مدار الساعة، فالدم الآن ليس مجرد كومبارس في مسرحية القسوة، انه يقترب من دور البطولة بحيث يتراجع العقل ويندحر الحوار ويصرخ أبوالهول من هول ما يرى ويسمع.
كم من المكبوت والمؤجل كان يتراكم في باطن هذه المنطقة لعدة قرون، بحيث يكون الانفجار زلزالياً؟ وكم من علقم الكراهية والكيدية كان يهجع تحت قشرة رقيقة من الشهد؟
انها نوبة عمى تلك التي جعلت عرب هذا القرن يستبدلون أعداءهم ويقلبون أولوياتهم، فهم أشبه بتلك اللوحة الشهيرة للرسام جويا عن رجلين يشتبكان ويحاول كل منهما خنق الآخر، رغم أن أقدامهم تغوص في دوامة سوف تبتلعهم في النهاية.
ان هذا النمط من الحروب البينية لا مجال لأحد فيه ان ينتصر، فالهزيمة موزعة بالتساوي بين كل الفرقاء والغالب الوحيد هو الذي يتربص بهم ويسيل لعابه السّام على حدودهم.
وكم هو أحمق من يفكر بالغنائم أو بحصة منها وهو نفسه الغنيمة لمن يأتي في اللحظة الأخيرة بعد أن يعم الخراب وتتحول البلدان الى أطلال.
الدستور