بالضرورة وكالمعتاد , ستشهد الساعات والايام القليلة الآتية نشاطا ملحوظا للنخب الباحثة عن مناصب ومواقع متقدمة في الترتيبات الجديدة التي ستنشأ بعد ان إكتمل نصاب الهيئة العامة لمجلس النواب الجديد, وهنا يتجلى مبدأ الحكمة وبعد النظر في انجاز هكذا ترتيبات ,على قاعدة ان المصالح العامة للشعب والعليا للوطن , لا بد وأن تكون هي "البوصلة " الوحيدة التي تحدد جوهر ومضمون القرار في هذا الاتجاه .
بالتأكيد كلنا ندرك أن ظروف الاردن اليوم وعطفا على ما يجري في الداخل والجوار من تطورات ماثلة وأخرى منتظرة , ليست ظروفا عادية أبدا, وإنما هي تجسيد لتحديات عديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى كل صعيد,وهي ظروف تتطلب وبالحاح , مراجعة مبدعة لمبدأ التكليف والاختيار وعلى نحو يغرس احساسا حقيقيا في ذات كل مواطن وايا كان موقعه على خارطة الاردن , بأنه فعلا لا قولا فقط , جزء من منظومة القرار وشريك واضح في الآداء العام للدولة !, وليس فتحا جديدا القول بان الاوطان ملك بالمشاع لجميع مواطنيها , وان ليس لأحد او لفئة من هذا "الجميع" حق الاستئثار بإدارة الشؤون العامة دون الآخرين!.
نجزم وحتى نقسم بأن جلالة الملك رأس الدولة ورمزها يحرص وبشدة على تحقيق أوسع مشاركة شعبية في صنع القرار وإدارة دفة الأمور العامة , ففي ذلك تأصيل للعدل وضمان للحقوق , وقبل هذا وذاك الغاء للتهميش والشللية والمحسوبية وكشف لمواطن الابداع والقدرة على العطاء , وبالتالي راحة عامة للشعب والقيادة على حد سواء , وإرتقاء بالدولة والوطن وتحصين للمسيرة في مواجهة التحدي ,عندما يكون الناس جميعا شركاء في تحمل المسؤولية ممارسة لا مجرد شعارات وحسب!.
الاردن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة غاية في الاهمية , والاقليم كله كذلك , والزمن الاردني والاقليمي الراهن , لم يعد يحتمل ترف الترضيات والتنفيعات وتقريب المحاسيب على حساب المصالح العامة والعليا وحاضر الأردن ومستقبله , ويكفينا ما عانينا جراء ممارسات غير محسوبة في هذا الإطار , وهنا تتجلى مسؤوليه وأمانة وصدقية صناع السياسات , في مقاربة الحق من منظور وطني خالص لا مجال لمراء فيه , فالحكومة لا بد وأن تكون ذات طابع سياسي محض , تماما كسائر حكومات الأرض , وإنسجاما مع مهماتها في رسم السياسات كقيم وكمبادئ يترجمها الفنيون والإداريون الى إجراءات وخطط وقرارات , والبرلمان لا بد وأن تتجاوز مهمته حدود الخدمات العامة صوب المهمة الأساسية في ميدان التشريع والرقابة على الحكومات وسائر مفاصل الدولة , والسلطات جميعها لا بد وأن تتكامل أدوارها لتصنع وتحت إمرة " الملك " , إنجازا وطنيا إبداعيا متكاملا في مختلف ميادين الحياة , والإدارة الوسطى لا بد وأن تكون قياداتها على درجة عالية من الإبداع الفكري القادر على إجتراح الأفكار النيرة والممارسة المخلصة في الإقتراح والتنفيذ على حد سواء , وهذا يقتضي مراجعة شاملة لمجمل الإدارة العامة في الدولة ومدى قدرتها على هكذا إنجاز !.
بإختصار طالب الولاية لا يولى , والباحثون عن الولاية هذا الأوان لمجرد الولاية لا غير , هم بالضرورة في ذيل قائمة الإهتمام , أو هكذا يجب أن يكون , وإلا فعلى المواطنين القابعين خارج أسوار " النخب " أن يتجرعوا المزيد من مرارة الإحساس بالتناسي من قبل أولئك الذين وطنوا النفوس على القناعة بأن الأردن لهم وحدهم دون سواهم , وأن لهم أن يقربوا من يشاؤون , ويبعدوا من يشاؤون , دون أدنى تقوى من الله جلت قدرته , أو على الأقل دون أدنى إحساس بأنهم إنما يظلمون البلد قبل ظلمهم للناس , والظلم مرتعة وخيم , وأنهم إنما يخذلون صاحب الشأن الأول أعانه الله , عندما يحجمون عن قول الحق , ومنهم من أخذتهم العزة بالإثم , فجاملوا أصحاب الأصوات العالية على حساب الوطن كله , عندما ضعفوا الى الحد الذي تنكروا فيه ضمنيا لدور الأجهزة المختصة في تسمية الأشياء بأسمائها وتحديد الغث من السمين وفقا للقراءات , وما درى هؤلاء إنهم أنما يسهمون في تقزيم الدولة تحت وطأة وضغوط الصوت العالي , ولا حول ولا قوة الا بالله !.